
إذا كانت بعض المؤثرات في عالم روتيني اليومي يفتحن الكاميرا من أجل استعراض تفاصيل الحياة اليومية مقابل حفنة من المشاهدات، فإن المدعو هشام جيراندو لم يشأ أن يتأخر عن الركب، فابتكر هو الآخر روتينه الخاص : روتين الخيانة.
كل أسبوع بث مباشر، كل يوم تدوينة، كل ساعة خرجات تتكرر مثل الأسطوانة المشروخة، والموضوع واحد لا يتغير : تصفية حسابات شخصية مغلفة بشعارات وطنية فارغة، وكأن الرجل يعيش على ايقاع هجوم دائم على عبد اللطيف حموشي، إلى درجة توحي أن الوطن، بكل تحدياته وأهله ومؤسساته، قد اختصر في شخص واحد.
جيراندو لم يعد مناضلا حتى بمقاييس المعارضات الهامشية، بل تحول إلى منتج محتوى على طريقة يوتيوبرز “البوز”، الفرق الوحيد أن أولئك لا يدعون النضال، ولا يتشدقون بالقيم الوطنية من خلف شاشات أجنبية. أما هو، فلكل بث عنده قضية وهمية، ولكل تدوينة عدو متخيل، ولكل تعليق شتيمة مجانية تضاف إلى سجل من الشتائم الفارغة.
والمثير للسخرية أن الخطاب الذي كان يروج له في بداياته، حين منحه البعض هامشا من الإصغاء، فقد اليوم كل بريقه. صارت كلماته مكررة، شعاراته مملة، وتحليلاته ركيكة. أما جمهوره، فقد تقلص إلى مجموعة من الحسابات الوهمية وبعض الفضوليين الذين يبحثون عن مادة للضحك، لا أكثر.
في العمق، هشام جيراندو لم يفهم أن المغاربة اليوم أكثر وعيا من ذي قبل. لقد أدركوا أن خيمته الإعلامية مبنية على وهم، وأن هجومه المتواصل على مؤسسات الدولة لا يعكس غيرة وطنية، بل حقدا مزمنا على من لم يرضخوا لأوهامه القديمة في السيطرة والابتزاز.
جيراندو اليوم يشبه نسخة رديئة من روتيني اليومي، لكنها بلا طرافة، بلا جدوى، وبلا محتوى، مجرد تكرار ممل، واتهامات رخيصة، وضجيج من أجل اللاشيء.
المشكلة أنه لا يرى ذلك، ويعتقد أن كل بث مباشر هو فتح مبين، وأن كل شتيمة إضافية هي مكسب.
والحقيقة أن قناته فقدت الصدقية، وتحولت إلى نكتة يتداولها الناس من باب التندر، لا أكثر.
الواقع أن هشام جيراندو لم يعد يشكل تهديدا للدولة ولا لمؤسساتها، بل صار عبئا على نفسه.
فالذين صفقوا له في بداياته انفضوا من حوله، بعدما تبين لهم أن مشروعه لا يتجاوز وهم الظهور، ومقامرة بائسة على حساب صورة الوطن.
باختصار، جيراندو هو روتيني يومي من نوع آخر.
الفرق الوحيد أن المغاربة يعرفون متى يغيرون القناة، ومتى يغلقون الميكروفون.