
في ظل أنماط الحياة العصرية التي فرضت السهر كعادة يومية لدى الكثيرين سواء لأغراض العمل أو الترفيه عبر الشاشات المختلفة تبرز تحذيرات متزايدة من التبعات الصحية الخطيرة لهذه العادة حيث يؤدي الحرمان المزمن من النوم إلى تدهور وظائف الجسم الحيوية ويزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة وخطيرة.
يؤدي السهر المنتظم إلى اضطراب حاد في التوازن الهرموني للجسم حيث ترتفع مستويات هرمون التوتر المعروف بالكورتيزول مما يسبب التهابات مزمنة وإرهاقا مستمرا ويخل بعملية الأيض كما تتأثر هرمونات أخرى حيوية مثل هرمون النمو والأنسولين وهذا الخلل الهرموني لا يتوقف عند هذا الحد بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على شهية الإنسان إذ يتسبب في اضطراب هرموني الجوع وهما الجريلين واللبتين مما ينتج عنه رغبة ملحة في استهلاك الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون ويجعل السيطرة على الشهية أمرا صعبا للغاية ويقود ذلك حتما إلى زيادة الوزن وتراكم الدهون خاصة في منطقة البطن.
ومن أخطر التبعات الصحية للسهر المستمر هو زيادة احتمالية الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني فالنوم في ساعات متأخرة يقلل من حساسية الجسم للأنسولين وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم سكر الدم ويؤثر سلبا على عملية استقلاب الجلوكوز مما يضع الجسم في حالة خطر دائم ولا تقتصر الأضرار على ذلك فحسب بل تطال صحة القلب والأوعية الدموية فالسهر المزمن يرتبط بشكل وثيق بارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب وهذا يضع عبئا إضافيا على القلب ويزيد من خطر التعرض لأمراض قلبية خطيرة على المدى الطويل.
كما أن التأثير السلبي للحرمان من النوم يمتد ليشمل الصحة العقلية والنفسية بشكل كبير حيث يضعف القدرات الإدراكية مثل الذاكرة والتركيز ويؤثر على استقرار المزاج وقد يتطور الأمر ليؤدي إلى حالات من القلق والتوتر المزمن والاكتئاب ولا يمكن التغاضي عن الشعور الدائم بالإرهاق وانخفاض مستويات الطاقة فحتى مع اللجوء إلى منبهات مثل الكافيين لا يستطيع الجسم استعادة طاقته ونشاطه بشكل كامل لأن قلة النوم تمنعه من إتمام عمليات الإصلاح والتجديد الضرورية وهذا يؤدي إلى ضعف مستمر في الأداء البدني والذهني.
إن تبني جدول نوم منتظم والحرص على النوم المبكر ليس مجرد رفاهية بل هو ضرورة أساسية للحفاظ على الصحة العامة وتقوية جهاز المناعة والوقاية من مجموعة واسعة من الأمراض المزمنة التي باتت مرتبطة بشكل مباشر بعادة السهر.