قصر السقاف بقلب مكة شاهد تاريخي يحكي أسرار قرن من الأحداث الهامة

قصر السقاف بقلب مكة شاهد تاريخي يحكي أسرار قرن من الأحداث الهامة
قصر السقاف بقلب مكة شاهد تاريخي يحكي أسرار قرن من الأحداث الهامة

يشهد قصر السقاف الأثري الواقع في حي المعابدة شمال شرق مكة المكرمة اهتماما متجددا حيث أطلقت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة برامج لترميمه وإعادة تأهيله ليظل هذا المعلم الشامخ شاهدا حيا على فصول مهمة من تاريخ المدينة المقدسة والدولة السعودية.

تعود جذور هذا الصرح المعماري إلى بدايات القرن الرابع عشر الهجري وتحديدا عام 1298هـ الموافق 1880م حيث شُيد ليصبح علامة فارقة في المشهد العمراني للمدينة المقدسة. وقد اكتسب القصر أهمية استثنائية بفضل موقعه القريب من المسجد الحرام مما جعله ملتقى للوفود والزوار ومكانا يعكس كرم مكة وهيبتها وبساطتها في آن واحد.

لم يكن قصر السقاف مجرد جدران صامتة بل كان مسرحا حيويا لصياغة أحداث محورية في تاريخ الدولة السعودية الثالثة. فبعد أن كان مقرا لبعض الأنشطة الإدارية والديوانية تحول إلى مركز لإدارة شؤون الدولة ومكان لاستقبال كبار الضيوف والوفود الرسمية وشهد بين أروقته توقيع اتفاقيات وقرارات مهمة. ومع انتقال المقرات الحكومية لمبان حديثة خلال العقود الماضية تراجع استخدامه وظل معلما تاريخيا بارزا.

ويتميز القصر بخصائص معمارية فريدة تنتمي إلى الطراز المكي التقليدي الذي يجمع بين الهيبة والبساطة. وقد أوضح الدكتور عمر عدنان أسرة رئيس قسم العمارة بجامعة أم القرى أن بناءه اعتمد على الحجر المحلي في الأساسات بينما استُخدم الخشب المستورد من الهند وشرق إفريقيا في صناعة النوافذ والأبواب والشناشيل وهو ما يعكس شبكة علاقات مكة التجارية والثقافية الممتدة مع العالم الإسلامي.

وتتوزع فراغات القصر الداخلية بشكل يراعي الخصوصية حيث يحتوي على مجالس واسعة مخصصة للضيوف وأجنحة سكنية بالإضافة إلى ساحات داخلية تسمح بالتهوية الطبيعية. وتزين جدرانه زخارف جصية وأنماط هندسية بديعة تضفي لمسة جمالية تتناغم مع هوية مكة الروحانية.

لم ينفصل تصميم قصر السقاف يوما عن بيئته الاجتماعية والثقافية بل كان جزءا من نسيجها العمراني يعكس في تفاصيله قيم مكة الأصيلة كالضيافة والخصوصية والجمال غير المتكلف. فمجالسه الرحبة تجسد استعداد المدينة لاستقبال ضيوف الرحمن من كل مكان كما تؤكد زخارفه الإسلامية على عمق الهوية المرتبطة بقدسية المكان.

وتقوم جامعة أم القرى بجهود فاعلة لتوثيق هذا المعلم عمرانيا ومعماريا حيث ينفذ أعضاء هيئة التدريس والطلاب أبحاثا ميدانية تشمل رفعا معماريا دقيقا ورصدا لعناصره الإنشائية والزخرفية وتوثيقا فوتوغرافيا شاملا. وتهدف هذه المبادرات العلمية إلى حفظ الذاكرة البصرية للقصر وتوفير قاعدة بيانات متكاملة يمكن للمخططين والجهات المعنية الاستفادة منها في مشروعات الترميم والحفاظ المستقبلية.

ويجسد هذا التعاون بين الجامعة والمجتمع قيمة الشراكة الأكاديمية في خدمة التراث الوطني حيث لا يُنظر إلى قصر السقاف كمعلم أثري فحسب بل كمشروع معرفي وثقافي يشارك في صياغته الباحثون والطلاب. وتهدف برامج إعادة التأهيل الحالية إلى الحفاظ على قيمة القصر التاريخية وإبقائه حيا في وجدان أهالي مكة وزوارها ليصبح منصة تحتضن المناسبات والفعاليات التي تُعرّف الأجيال بثراء مكة المعماري والاجتماعي والثقافي.