
يواجه كثير من الأشخاص ضغوطات نفسية وتوتراً يومياً نتيجة لما يمرون به من تحديات ومواقف صعبة في الحياة، ويظهر ذلك في فقدان السيطرة على تصرفاتهم أو تراجع قدرتهم على إنجاز المهام المعتادة، وقد يؤدي استمرار التوتر إلى تدهور الحالة النفسية وحدوث مشاكل صحية وجسدية، ووصول البعض إلى مراحل حرجة تصل أحياناً للانهيار العصبي. يشير خبراء الصحة النفسية إلى أن تحمل الضغوط والاستعانة بالاستشارة والمساعدة المناسبة من مختصين يمكن أن يخفف الأعراض ويساعد في استعادة التوازن، كما يؤكدون أن ممارسة تقنيات الاسترخاء والابتعاد عن مسببات التوتر لها دور مهم في التعامل مع هذه الحالات.
ويشرح الدكتور محمد الحامد، استشاري الطب النفسي، مفهوم القلق والتوتر بأنهما ردود فعل طبيعية نفسية وجسدية تجاه ضغوط أو مواقف غير معتادة، مع اختلاف بين الحالتين، حيث يعتبر القلق شعوراً دائماً بالانزعاج حيال ما قد يحدث لاحقاً، بينما يرتبط التوتر عادة بموقف محدد ويكون مؤقتاً في أغلب الأحيان. ويوضح أن القلق يمكن أن يتحول لاضطراب نفسي إذا استمر لفترات طويلة، أما التوتر فهو عادة حالة مؤقتة تزول بزوال المؤثر. الدراسات الحديثة تبين أن الرجال يواجهون التوتر والقلق بشكل مختلف عن النساء، إذ يفضل بعض الرجال كتمان مشاعرهم بسبب العادات الاجتماعية، في حين يجد غيرهم في الأنشطة الرياضية والانشغال بالعمل وسيلة لتجاوز الضغوط، ومع ذلك تزيد الأعباء الاجتماعية والأسرية من مستويات التوتر لديهم وتعرضهم لمخاطر صحية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب عندما لا يتم التعاطي مع هذه المشاعر بطريقة صحيحة.
من جهتها تظهر النساء ميلاً أكبر للتعبير عن القلق والتوتر بدرجة أعلى من الرجال حسب دكتور الحامد الذي يشير إلى أن عوامل مثل التغيرات الهرمونية والاجتماعية والنفسية تساهم في تعرضهن لمستويات عالية من القلق. فالسيدات غالباً يجمعن بين مسؤوليات العمل والمنزل مما يزيد الضغوط عليهن، كما أن بعض الحالات كالحمل والدورة الشهرية تسبب تقلبات مزاجية بسبب التفاوت في الهرمونات، بينما يؤثر هرمون التستوستيرون لدى الرجال في تقليل الاستجابة لمصادر التوتر نوعاً ما. كل هذه العوامل تفسر اختلاف طرق تعبير الرجال والنساء عن الضغوط النفسية، دون أن يعني ذلك غياب القلق والتوتر عن أحد الجنسين.
تلعب البيئة الاجتماعية والثقافية دوراً مؤثراً في تحديد ردود فعل الأفراد تجاه التوتر والقلق. فالتوقعات السائدة من الرجال بالتماسك الدائم وكتمان المشاعر تدفعهم لتأجيل البحث عن حل، بينما تجد النساء في التعبير مع المقربين أداة أكثر فعالية. رغم ذلك تتعرض المرأة لمطالبة مزدوجة بين أدوار الأسرة والعمل يفاقم التوتر لديها. ويشير الأطباء النفسيون إلى أهمية اللجوء لخطوات عملية للتعامل مع القلق مثل ممارسة الرياضة، وتطبيق تقنيات الاسترخاء كالتأمل والتنفس العميق، والحصول على دعم اجتماعي من العائلة والأصدقاء والاستعانة بالعلاج النفسي حين الحاجة.
ويؤكد الدكتور أحمد الغامدي، أخصائي نفسي من مكة المكرمة، أن الإنسان مزود بآليات طبيعية لحماية نفسه وتخطي الظروف الضاغطة، موضحاً أن التوتر استجابة جسدية ونفسية فورية تجاه أحداث خارجية وقد يعود بعدها الجسم لطبيعته، كما أن المستوى المعتدل من التوتر قد يكون دافعاً نحو الإنجاز ومواجهة صعوبات الحياة، بينما التوتر المبالغ فيه أو المزمن يؤثر سلباً على الصحة والعلاقات الاجتماعية، مشيراً إلى أهمية مواجهة مصادر التوتر وعدم الاستسلام لها، بالإضافة إلى أهمية طلب المساعدة عند الشعور بأعراض شديدة مثل الرعشة، سرعة ضربات القلب، أو تعطل الحياة اليومية. ويوصي الغامدي بالاطلاع على كتب الدعم الذاتي ومواجهة المخاوف باعتبارها إجراءات مساعدة، مع عدم إهمال مراجعة المختصين لتفادي تحول الضغوط لمشاكل صحية ونفسية.
ويضيف الغامدي أن التوتر لا يقتصر على الكبار، فالأطفال أيضاً قد يظهرون علامات التوتر خاصة عند التعرض لتغييرات مفاجئة مثل الفطام أو الانفصال عن الوالدين، وتبدو تلك الإشارات في سلوكيات كقضم الأظافر أو مص الأصابع، كما يتأثر نفسياً الأطفال عند وجود خلافات أسرية. ويشير إلى أهمية تهيئة الطفل تدريجياً عند دخول المدرسة وتوفير جو أسري مستقر للتقليل من التوتر لديه. ويوضح أن بعض العادات مثل التدخين أو الاستخدام المكثف للهواتف المحمولة، عندما يتوقف الشخص عنها فجأة يصاب بنوع من التوتر شبيه بالأعراض الانسحابية ويحتاج لتبني عادات صحية بديلة ومفيدة.
من جانب آخر، يرى البروفيسور علي بن صحفان، الاستشاري النفسي بجامعة الطائف، أن التوتر هو رد فعل طبي لأي تغييرات بدنية أو بيئية، ويشدد على ضرورة إجراء الفحوص العضوية الأساسية مثل فحص الغدة الدرقية ومستويات فيتامين د و ب12 للتأكد من عدم وجود أسباب طبية عضوية قبل التوجه للعلاج النفسي. ويلفت إلى أن التوتر بدرجة بسيطة قد يكون إيجابياً ويساعد بعض الأشخاص المبدعين على تحقيق الإنجاز، لكن إفراط التوتر يؤدي إلى انهيار تدريجي للجسم وظهور أعراض القلق والصداع وتعرق وتسارع التنفس، وعند تكرار هذه الأعراض يحتاج الفرد إلى تدخل مختص نفسي لتحديد الأسباب المرتبطة بالضغوط الأسرية أو المالية أو المهنية. ويشير إلى أهمية النوم الكافي، التغذية الصحية، تجنب الأفكار السلبية، وتعلم تقنيات الاسترخاء وممارسة الرياضة اليومية، مع ترتيب الوقت بين الأسرة والعمل والهوايات للحصول على توازن ملائم وتقليل مستويات التوتر.