
شهدت سماء المملكة العربية السعودية حدثا فلكيا فريدا تمثل في خسوف قمري كلي أدى إلى تلون القمر باللون الأحمر القاني في ظاهرة تعرف علميا باسم القمر الدموي أو القرمزي وقد استقطب هذا المشهد السماوي البديع أنظار أعداد كبيرة من عشاق الفلك والمصورين الفوتوغرافيين الذين سارعوا لتوثيق اللحظات النادرة التي لم تشهدها المنطقة بهذا الوضوح والمدة الزمنية الطويلة منذ عام 2018.
وأوضح المهندس ماجد أبو زاهرة رئيس الجمعية الفلكية بجدة أن اللون المحمر الذي يظهر على سطح القمر خلال الخسوف الكلي لا ينتج عن القمر نفسه بل هو نتاج مرور ضوء الشمس عبر الغلاف الجوي للأرض حيث يعمل الغلاف الجوي كمرشح يقوم بتشتيت معظم ألوان الطيف الضوئي الأزرق بينما يسمح بمرور الأطوال الموجية الحمراء والبرتقالية التي تسقط بدورها على القمر وتضيئه بهذا اللون المميز.
واستغل المصورون وهواة الفلك هذه الفرصة التي استمرت فيها المرحلة الكلية للخسوف لأكثر من ساعة كاملة لتسجيل لقطات ومقاطع فيديو عالية الدقة مستخدمين معدات متخصصة من تلسكوبات وكاميرات رقمية وتقنيات معالجة الصور لإظهار تفاصيل تحرك ظل الأرض تدريجيا على سطح القمر بدءا من مرحلة الخسوف الجزئي وصولا إلى الاكتمال ثم انحساره مرة أخرى.
ولم تقتصر أهمية هذا الخسوف على الجانب الجمالي فقط بل امتدت لتشمل أبعادا بحثية مهمة حيث أشار أبو زاهرة إلى استخدام تقنية الاستقطاب الضوئي لتحليل الضوء المنعكس عن سطح القمر بعد عبوره الغلاف الجوي الأرضي وتكتسب أشعة الضوء هذه نسبة استقطاب تتراوح بين اثنين وثلاثة بالمئة نتيجة لتشتتها عبر جزيئات الهواء والغبار في الغلاف الجوي.
وتحمل بيانات الاستقطاب الضوئي هذه معلومات قيمة للعلماء حول حالة الغلاف الجوي للأرض إذ تمكنهم من دراسة كثافة الجسيمات الدقيقة والغبار ومستويات الرطوبة ورصد أي تغيرات قد تنتج عن ظواهر مناخية واسعة أو أنشطة بركانية كما تساهم هذه التقنية في فهم أعمق للخصائص البصرية لسطح القمر نفسه ومقارنة البيانات بين الخسوفات المختلفة.
ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة الخسوف تحدث فقط عندما يكون القمر في طور البدر ولكنها لا تتكرر شهريا بسبب الميلان الطفيف في مدار القمر حول الأرض بنحو خمس درجات مقارنة بمدار الأرض حول الشمس وهذا الميلان يجعل القمر يمر عادة إما فوق ظل الأرض أو أسفله ولا يحدث الاصطفاف المثالي الذي يسبب الخسوف إلا في مناسبات محددة.
ويعد هذا الخسوف الكلي حلقة في سلسلة من الظواهر الفلكية التي تزين سماء المملكة هذا العام وهي أحداث لا تقتصر قيمتها على المعرفة العلمية وفهم الكون بل تحث أيضا على التأمل والتفكر في عظمة الخلق ودقة النظام الكوني الذي يسير وفقه.