
يُعتبر بيت الشعر ركيزة أساسية في ثقافة البادية بالجزيرة العربية ورمزا عميقا لتاريخها العريق فهو لم يكن مجرد مسكن متنقل يحمي من قسوة الصحراء بل كان مركزا للحياة الاجتماعية وملتقى للكرم ومجلسًا للشعر ورواية القصص ما يجعله تجسيدا حيا لهوية البدو وتراثهم وارتباطهم الوثيق بالبيئة الصحراوية.
تبدأ رحلة صناعة هذا المأوى التقليدي بمراحل دقيقة ومتتابعة تتطلب صبرا ومهارة عالية حيث يتم أولا جز صوف الأغنام من فصيلة النجدي وشعر الماعز ثم تأتي مرحلة تنظيفه عبر الغسيل والنشر تحت الشمس يتبعها النفش لتهيئته للمرحلة الأهم وهي الغزل التي تحول الصوف الخام إلى خيوط متينة. بعد تجهيز الخيوط تبدأ عملية التسدية وهي مرحلة تصفيف الخيوط وترتيبها بشكل دقيق تمهيدا لنسجها يدويا وتشكيل القطع الكبيرة التي تعرف باسم الشقاق وهي الوحدات الأساسية التي يتكون منها بيت الشعر.
في منطقة الجوف تستمر الحرفية لفوة الفهيقي في إحياء هذا الإرث العريق الذي تعلمته منذ نعومة أظفارها من والدتها وجدتها حيث تروي بفخر كيف نشأت بين خيوط الصوف وشهدت تحوله إلى بيوت شعر شامخة مؤكدة أن هذه الحرفة الأصيلة لا تزال قائمة رغم كل متغيرات العصر.
وتوضح الفهيقي أن إنجاز بيت شعر واحد هو عمل جماعي بامتياز فكلما زاد عدد الأيدي العاملة قصرت مدة الإنجاز كما أن العمل لا يتوقف على مدار العام بل يخضع لجدول موسمي ففي الصيف ينشغل الحرفيون بصناعة بيوت الشعر الشتوية وفي الشتاء يتم تجهيز البيوت الصيفية.
ويكمن السر في هذا التقسيم الموسمي في نوع المادة المستخدمة فالشعر الأسود المأخوذ من الماعز هو الخيار الأمثل لفصل الشتاء لقدرته على امتصاص حرارة الشمس وتوفير الدفء بينما يُفضل الصوف الأبيض في الصيف لأنه يعكس أشعة الشمس ويمنح ساكنيه برودة نسبية.
تعتمد لفوة في عملها على مجموعة من الأدوات البسيطة والتقليدية التي ورثتها عن الأجداد ومنها المنفاش لتنعيم الصوف والمغزل لتحويله إلى خيوط والمنشاز وهو أداة خشبية أو حديدية لشد الخيوط وضمان متانة الخياطة بالإضافة إلى المخيط والمسامير التي تستخدم لتثبيت وتجميع القطع.
وتشير لفوة إلى أن تصميم بيوت الشعر وأسماءها تختلف بحسب طلب صاحبها وحجمها الذي يتحدد بعدد الأعمدة الوسطى فالبيت ذو العمود الواحد يسمى القطبة وذو العمودين يعرف بالمقورن أما المثولث فيقوم على ثلاثة أعمدة وهكذا تتوالى التسميات مع زيادة حجم البيت واتساعه.