
شهدت سماء المنطقة مساء أمس ظاهرة فلكية فريدة تعرف في الموروث الشعبي باسم قران 19 حيث مر القمر بجوار عنقود الثريا النجمي الشهير في كوكبة الثور وحجب بعض نجومه الخافتة معلنا بذلك بداية فصل الخريف وبدء تراجع موجات الحر تدريجيا إيذانا بقدوم أجواء أكثر اعتدالا بعد أشهر الصيف الطويلة.
لم تكن هذه الظاهرة مجرد مشهد سماوي عابر بل مثلت عبر الأجيال علامة زمنية مهمة لأهل البادية اعتمدوا عليها في حساباتهم الموسمية إذ اعتبر العرب قديما اقتران القمر بالثريا في هذا التوقيت مؤشرا واضحا على دخول موسم جديد تستعد فيه الأرض لاستقبال الأمطار ونمو النباتات العشبية الضرورية للرعي.
ويكتسب فصل الخريف أهمية خاصة في البيئة الطبيعية حيث يمثل فترة راحة وتجدد للتربة والغطاء النباتي بحسب ما أوضح عدنان خليفة عضو نادي الفلك والفضاء فالأمطار الخفيفة التي تبدأ بالهطول على مناطق البادية تحفز نمو المراعي وهو أمر حيوي لمربي الإبل والأغنام إذ يساهم في تعزيز الثروة الحيوانية ويضمن استدامة مواردها الغذائية للأشهر القادمة كما أن اعتدال الطقس يسهم في تحسين جودة الهواء والحفاظ على التوازن البيئي بشكل عام.
وفي المناطق الحضرية ينعكس دخول الخريف إيجابيا على جودة الحياة اليومية للسكان فالأجواء المعتدلة تشجع على ممارسة الأنشطة الترفيهية والسياحية في الهواء الطلق مثل النزهات والرحلات والرياضة كما يسهم انخفاض درجات الحرارة في تقليل استهلاك الطاقة الكهربائية المستخدمة في أجهزة التبريد مما يخفف من الأعباء المعيشية ويعزز من ثقافة الاستدامة.
يعيد الخريف الناس كذلك إلى موروثهم الثقافي الأصيل المرتبط بالبر حيث تعود للواجهة عادات اجتماعية تقليدية مثل الجلسات حول النار وتقديم القهوة العربية التي تعد جزءا لا يتجزأ من التراث الشعبي ويشكل هذا الموسم فرصة مثالية للتجمعات العائلية والرحلات الجماعية التي تعمل على تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز روح الانتماء.
وبهذا يجمع موسم الخريف بين الظواهر الفلكية والفوائد البيئية والاقتصادية والأبعاد الاجتماعية والثقافية ومع ظهور قران 19 يجد الناس في هذا الدليل السماوي بشارة ببدء فصل ينتظرونه كل عام بشغف لما يحمله معه من خيرات واعتدال في الطقس وفرص لتجديد الطبيعة والحياة.