
يمثل الاعتدال الخريفي في منطقة عسير نقطة تحول محورية في الدورة الزراعية حيث يعتمد المزارعون على هذا الحدث الفلكي لتحديد مواعيد أعمالهم الزراعية. ومع حلوله في الثاني والعشرين من سبتمبر تبدأ مظاهر التغير المناخي وتستهل مواسم جديدة للزراعة والحصاد وفق تقويم متوارث عبر الأجيال.
يستخدم سكان عسير مصطلحات خاصة بهم للفصول إذ يطلقون على فصل الخريف اسم الشتاء وعلى الصيف اسم الخريف كما تشير المراجع التراثية. ويعتمد المزارعون في المنطقة بشكل أساسي على التقويم النجمي وخاصة حركة مجموعة بنات نعش النجمية لتحديد أنشطتهم بدقة متناهية من حرث وزراعة وحصاد.
يتزامن الاعتدال الخريفي مع دخول ما يعرف محليا بالنجم السادس الذي تمتد فترته من 20 سبتمبر حتى 2 أكتوبر. تتميز هذه الفترة بسيادة الجفاف وبداية نضج بواكير الذرة البلدية. كما يكتمل خلالها صرام النخيل ويتحول معظم إنتاجه إلى تمر باستثناء بعض الأصناف المتأخرة مثل البرحي ونبوت سلطان والهلالية وحلوة الشمال. وفي هذا الوقت أيضا تبلغ ثمار الرمان مرحلة النضج التام ويوصى بجنيها في هذه الفترة تحديدا.
يقوم المزارعون خلال فترة النجم السادس بعملية تعرف باسم وييم حيث يقصون أعواد الذرة غير المثمرة أو المتأخرة في النمو. وترتبط هذه الممارسة بحكمة شعبية قديمة تقول إذا جاء السادس فاصرم زرعك الأخضر واليابس. ويهدف هذا الإجراء إلى تجنب إصابة المواشي بحالة الحشرة وهي انسداد قد يحدث في البلعوم عند تناولها لأعواد الذرة قبل هذا الموعد وقد يؤدي إلى نفوقها.
بعد ذلك يأتي النجم السابع المعروف بين العامة باسم السبع وتستمر مدته من 3 حتى 15 أكتوبر. يقترن هذا النجم بظهور نجم الصرفة الذي يقال عند دخوله إنه يصرف الحر. وخلال هذه المرحلة يبدأ طول الليل بالزيادة على حساب النهار وتشتد الجفافيات مع هبوب الرياح الشرقية التي تتسبب في تساقط أوراق الشجر ويباس الأعشاب. كما يشهد هذا الموسم حصاد الذرة المحلية في عسير الذي يعد من أبرز المواسم الزراعية السنوية.
يلي ذلك النجم الثامن ويسمى محليا الثمانية ويمتد من 16 حتى 28 أكتوبر. يتميز هذا النجم بدخول رياح شمالية خفيفة تعمل على تلطيف الجو بعد فترة الجفاف الشديد. يعتبر هذا الوقت مناسبا لزراعة بعض المحاصيل الشتوية مثل البصل والثوم والفول. ويستمر فيه جمع ثمار النخيل من الأصناف المتأخرة ويتم استكمال تجهيز الأراضي للزراعات الشتوية القادمة.
تتضح أهمية الاعتدال الخريفي فلكيا بتعامد الشمس على خط الاستواء مما يؤدي إلى تساوي طول الليل والنهار وشروق الشمس من الشرق الحقيقي وغروبها في الغرب الحقيقي ما يجعله مرجعا دقيقا لتحديد الاتجاهات. ويجسد هذا الحدث الفلكي السنوي مزيجا فريدا بين الظواهر السماوية والخبرة الزراعية المتوارثة مما يشكل وعيا بيئيا عميقا يعكس ارتباط الإنسان الوثيق بالأرض والسماء معا.