
تحظى الدموع بأهمية كبيرة في الحفاظ على صحة العيون والجزء النفسي للإنسان، فهي ليست مجرد سائل يخرج من العين، بل تحمل معها العديد من المعاني والدلالات. فمن ناحية طبية، تقوم الدموع بترطيب العين وحمايتها من الجفاف والتهيج، كما تزيل الشوائب والبكتيريا وتغذي القرنية وتحافظ على وضوح الرؤية. وتختلف مناسبات ذرف الدموع، فقد يبكي الإنسان فرحاً عند استقبال مولود جديد أو حصوله على ترقية، أو تأثراً بفراق شخص عزيز أو لحظات الحزن الشديد، أو حتى نتيجة اشتياقٍ طال أمده. وتعد الدموع أيضاً وسيلة طبيعية للتعبير عن المشاعر والانفعالات، حيث تساعد في التخفيف من التوتر ومقاومة ضغوط الحياة، ويعبر البعض عن مشاعرهم عبر البكاء في لحظات الفرح أو الحزن على حد سواء.
يرتبط الجفاف وقسوة العين غالباً بضعف أو غياب إفرازات الغدة الدمعية، الأمر الذي يؤثر مباشرة على جودة الرؤية وصحة العين. ووفقاً لاستشاريي طب العيون، من الضروري الحفاظ على نظافة العين وعدم تعريضها للعوامل الضارة مثل الدخان والبخور، إذ تؤدي هذه المهيجات إلى تهيج الغدد الدمعية وزيادة احتمالية الجفاف. كما يمكن أن تظهر مشكلة سيلان الدمع دون سبب واضح، وذلك أحياناً بسبب انسداد قنوات تصريف الدمع أو عدم قدرة العين على إنتاج دموع طبيعية بكفاءة. النساء أكثر عرضة لجفاف العين مقارنة بالرجال، ويرجع ذلك جزئياً إلى الاستخدام المكثف لمستحضرات التجميل وتغير العوامل الهرمونية.
ويحذر الأطباء من آثار الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات، أو استخدام العدسات اللاصقة دون فترات راحة كافية، حيث تعتبر هذه العوامل من الأسباب الشائعة لجفاف العين، وينصح بضرورة مراجعة الطبيب في حال ظهور أعراض الجفاف مثل الحكة والاحمرار والشعور بعدم الراحة. وأظهرت دراسة حديثة أن ثلاثة من بين كل عشرة أشخاص في السعودية يعانون من جفاف العين نتيجة نقص أو ضعف الترطيب الطبيعي للعين خاصة عند التعرض للرياح أو الأجواء الجافة.
الدموع لديها تركيب كيميائي متنوع بحسب سبب إفرازها، فهي تتكون من ثلاث طبقات رئيسية: زيت وماء ومخاط. الطبقة الزيتية تمنع التبخر السريع للدموع وتحافظ على ملمس العين، بينما تؤدي الطبقة المائية دور التنظيف والترطيب، والطبقة المخاطية الداخلية توزع الدمع بالتساوي على سطح العين. وإذا حدث خلل في توازن هذه الطبقات أو في عمل الغدد الدمعية لأي سبب سواء كان هرمونياً أو بسبب التقدم في العمر أو الإصابة ببعض الأمراض كالتهاب المفاصل الروماتويدي ومشاكل الغدة الدرقية، فإن العين تتعرض للجفاف وما يصاحبه من أعراض مثل احمرار العين، الحكة، الشعور بوجود جسم غريب، الحساسية للضوء، ومواجهة صعوبات عند وضع العدسات اللاصقة أو القيادة ليلاً.
وبحسب الأطباء، فإن الأطفال حديثي الولادة لا تظهر لديهم الدموع مباشرة بعد الولادة نتيجة عدم اكتمال نمو الغدد الدمعية لديهم إلا بعد مرور شهر، كما أوضحوا أن بعض الأمراض المزمنة والجراحات أو تناول بعض الأدوية مثل قطرات الاحتقان ومضادات الهيستامين وأدوية منع الحمل قد تؤدي إلى تفاقم مشكلات الجفاف. وتوصي وزارة الصحة بحماية العين من التعرض للرياح الجافة والأتربة، وتقليل استخدام مجفف الشعر، والانتظام في شرب الماء والحصول على فترات كافية من النوم وتطبيق قطرات مرطبة عند الحاجة، بالإضافة إلى ارتداء النظارات الواقية خلال التعرض للعوامل البيئية القاسية.
أما في الجانب الأدبي، فقد تناول الشعراء موضوع الدموع باعتبارها تعبيراً صادقاً عن الأحاسيس، وتغنوا بها في نصوصهم. فالجواهري اعتبرها رمزاً لدفع الهموم، وبهاء الدين زهير بالغ في وصف فيض الدموع عند الحزن، بينما اعتبر المتنبي الدمع كاشفاً لما يعتمل في الصدر. وشهدت أشعار أبي فراس الحمداني تقلبات النظرة نحو الدموع بين اعتبارها مصدر راحة للنفس وبين الإصرار على الصبر حتى وإن لم تجدِ دموعه. من جانبه حذر المعري من قسوة القلب وجمود العين.
يؤكد اختصاصيو البصريات أن البكاء مفيد للغاية للصحة النفسية والبصرية، فعدم السماح للعين بذرف الدموع قد يزيد من احتمال الإصابة بجفاف العين ومضاعفاتها، وقد تصل بعض الحالات إلى فقدان البصر بسبب تلف أنسجة القرنية نتيجة قلة الترطيب الطبيعي. كما يوصون بضرورة مراعاة العوامل الوقائية كغسل العين عند تعرضها للغبار، وتجنب الملوثات، والاعتدال في استخدام الشاشات الإلكترونية، والرجوع للطبيب عند حدوث أعراض غير معتادة تستمر مع العين.
تشير الأكاديمية الأمريكية لطب العيون إلى أن للإنسان قنوات دمعية خاصة بالقرب من الزاوية الداخلية للعين يتجمع فيها الدمع قبل تصريفه، وأنه مع تسارع إفراز الدمع أثناء البكاء أو الضحك الشديد لا تتمكن القنوات من تصريف كافة السائل فيتسرب جزء إلى الأنف. ويبطؤ إنتاج الدموع مع التقدم في السن، خاصة عند النساء، ويمكن أن تتأثر الكمية والنوعية بفعل العدسات اللاصقة وبعض الأدوية.
يوضح الأطباء أن أهم الطرق للوقاية من جفاف العين تشمل تقليل تعرض العين للغبار والهواء الجاف، والحرص على الرمش باستمرار خاصة عند استخدام الشاشات، وتجنب استعمال مجففات الشعر مباشرة أمام الوجه، وشرب الماء باستمرار للحفاظ على رطوبة الجسم، وتطبيق القطرات المرطبة عند الحاجة. كما ينبغي استشارة الطبيب عند استمرار الجفاف وعدم الاستجابة للطرق الوقائية، لأن الجفاف قد يصبح مزمناً ويتطلب علاجاً متخصصاً يناسب الحالة الفردية لكل مريض.