
تتجه أنظار المملكة العربية السعودية نحو الولايات المتحدة الأمريكية في مسعى لتكثيف الشراكات الاستراتيجية ونقل التقنيات المتقدمة بهدف تحويل المملكة إلى مركز عالمي مؤثر في إنتاج معدن الليثيوم. وتأتي هذه التحركات في إطار زيارة رسمية يقوم بها وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر بن إبراهيم الخريّف حيث تركزت مباحثاته على استقطاب أحدث الخبرات في مجالات استخراج ومعالجة المعادن الحيوية.
تتحرك المملكة بخطى متسارعة لتأمين مكانتها في سوق إنتاج الليثيوم الذي يطلق عليه الذهب الأبيض وذلك بحلول عام 2027. ويشكل هذا المعدن عنصرا حيويا في تحقيق التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة نظرا لدوره المحوري في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية وتطوير أنظمة تخزين الطاقات المتجددة مثل طاقة الشمس والرياح. وتندرج هذه المساعي ضمن خطط المملكة الطموحة لتنويع اقتصادها وتوطين صناعات استراتيجية مثل السيارات الكهربائية وتقنيات الطاقة المتجددة تماشيا مع أهداف رؤية 2030.
خلال زيارته للولايات المتحدة عقد الوزير الخريف سلسلة من اللقاءات المهمة مع قادة الشركات التعدينية البارزة ورواد تقنيات الليثيوم. ومن أبرز هذه اللقاءات اجتماعه مع الرئيس التنفيذي لشركة Albemarle Corporation التي تعد أكبر منتج لليثيوم في العالم حيث تم بحث سبل تطوير عمليات تحويل الليثيوم إلى هيدروكسيد الليثيوم المستخدم مباشرة في صناعة البطاريات. كما التقى بالرئيس التنفيذي لشركة Lilac Solutions الرائدة في تقنيات الاستخلاص المبتكرة وناقش معه الفرص المتاحة في قطاع المعادن الحرجة الضرورية لإنتاج بطاريات المركبات الكهربائية وتمكين التحول الصناعي في المملكة.
وتعتبر هذه الزيارة تطبيقا عمليا للتعاون المتنامي بين البلدين حيث يعد لقاء الخريف مع وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت هو الأول منذ توقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين في مايو الماضي للتعاون في مجال المعادن الحرجة. وتشترك الولايات المتحدة التي تملك احتياطيات كبيرة من الليثيوم مع المملكة في رؤية بناء سلاسل إمداد آمنة ومستدامة لهذا القطاع الحيوي.
وتتوقع الأسواق العالمية تضاعف الطلب على بطاريات الليثيوم أيون بنحو خمسة أضعاف بحلول عام 2030 ليصل إلى قدرة إنتاجية تبلغ 5500 جيجا واط في الساعة. ويأتي هذا النمو مدفوعا بالتوسع الهائل في صناعة المركبات الكهربائية وحلول تخزين الطاقة مما يجعل تأمين إمدادات الليثيوم أولوية استراتيجية للدول الصناعية الكبرى.
على الصعيد المحلي حققت المملكة إنجازا بارزا في عام 2024 تمثل في نجاح استخلاص الليثيوم من الرجيع الملحي الموجود في حقول النفط مما يوفر مصدرا جديدا ومستداما للمعدن. وفي سياق متصل كشفت أبحاث علمية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كاوست عن طرق مبتكرة لاستخلاص الليثيوم من مياه البحر مما يعزز قدرة المملكة على تلبية الطلب المتزايد خاصة مع هدفها المعلن بإنتاج 300 ألف سيارة كهربائية سنويا بحلول عام 2030.
وتتجسد الشراكات السعودية الأمريكية على أرض الواقع في عدة مشاريع كبرى فقد اختارت شركة Lucid Group المملكة مقرا لأول مصنع لها خارج الولايات المتحدة لتصنيع السيارات الكهربائية. كما أبرمت شركة معادن السعودية اتفاقيات مع شركة MP Materials الأمريكية لتطوير سلسلة توريد العناصر الأرضية النادرة. وفي مجال الاستثمار ضخت شركة إنرجي كابيتال جروب السعودية استثمارات في شركة Pure Lithium ومقرها بوسطن وهي شركة متخصصة في تطوير بطاريات الليثيوم المعدني التي تختصر زمن التصنيع.
كما وقعت منصة Burkhan World Investments الاستثمارية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها اتفاقيات مع شركاء سعوديين هذا العام بقيمة 15 مليار دولار. وتضمنت هذه الاتفاقيات مبادرة ضخمة بقيمة 9 مليارات دولار تركز على مشاريع التعدين والمعادن الحرجة وعلى رأسها الليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة.
ولمواكبة هذه الطموحات أنشأت المملكة منظومة متكاملة من المدن والمجمعات الصناعية المتخصصة من بينها مجمع أيرو بارك الأولى للطيران في جدة ومجمع الملك سلمان لصناعة السيارات. هذه البنية التحتية المتقدمة مصممة لتجعل الليثيوم والمعادن الحرجة الأخرى مثل الألمنيوم والتيتانيوم والنيكل ركيزة أساسية في مسيرة التحول الصناعي وتعزيز الصناعات ذات التقنية العالية.
وترسم الاستراتيجية الشاملة للتعدين في المملكة خارطة طريق واضحة لتحويل هذا القطاع إلى أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد الوطني. وتستهدف الاستراتيجية رفع مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي إلى 64 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030. وبفضل ما تملكه المملكة من ثروة معدنية ضخمة تقدر بنحو 2.5 تريليون دولار فإنها تسعى لترسيخ مكانتها كمورد عالمي موثوق للمعادن مع تطوير الصناعات التحويلية المرتبطة بها مثل السيارات الكهربائية وقطاع الطيران والتقنيات المتقدمة.