
رصدت سماء المنطقة الشمالية ظهور نجم سهيل اليماني في ظاهرة فلكية سنوية ينتظرها سكان الجزيرة العربية إذ تعد مؤشرا مهما على بدء انكسار حدة حرارة الصيف واقتراب موسم اعتدال الأجواء الذي يترافق مع انخفاض تدريجي في درجات الحرارة وصولا إلى موعد تساوي ساعات الليل والنهار.
يحمل ظهور سهيل أهمية بالغة في الثقافة العربية حيث ارتبط منذ القدم ببشائر الخير والتفاؤل بقدوم موسم الأمطار وانتعاش الطبيعة وتبدل الفصول وهو ما جعل العرب يطلقون عليه أسماء متعددة تعبر عن مكانته مثل البشير اليماني ونجم اليمن وسهيل اليماني.
يُعرف هذا النجم عالميا باسم كانوبس ويصنف كثاني ألمع نجم يمكن رؤيته في قبة السماء بعد الشعرى اليمانية ويقع على مسافة تقدر بنحو ثلاثمئة وثلاث عشرة سنة ضوئية عن كوكب الأرض وينتمي فلكيا إلى مجموعة نجوم كوكبة القاعدة الجنوبية.
كان العرب قديما يعتمدون على مطالع النجوم لتقسيم فترات السنة وقد شكل طلوع سهيل بداية لما عرف بالسنة السهيلية التي تتألف من أربعة عشر موسما متتاليا تبدأ بسهيل وتتبعه بمواسم الوسم ثم المربعانية فالشبط والعقارب والحميم والذرعان والكنة والثريا والتويبع والجوزاء الأولى والجوزاء الثانية والمرزم وأخيرا الكليبين.
يستمر موسم سهيل لمدة تصل إلى اثنين وخمسين يوما وينقسم إلى أربع منازل فلكية لكل منها خصائصها المناخية فأولها الطرفة التي تمتد لثلاثة عشر يوما ويتميز طقسها باللطافة ليلا مع استمرار الحرارة خلال النهار تليها منزلة الجبهة ومدتها أربعة عشر يوما وفيها يصبح النهار أكثر اعتدالا والليل أشد برودة.
تأتي بعد ذلك منزلة الزبرة التي تستمر ثلاثة عشر يوما وتزداد فيها برودة الليل بشكل واضح ثم تختتم المنازل بالصرفة ومدتها ثلاثة عشر يوما أيضا وقد اكتسبت اسمها من انصراف الحرارة بشكل شبه كامل مع طلوعها وهو ما لخصه العرب في مقولتهم الشهيرة إذا طلع سهيل برد الليل.
من الناحية الملاحية كان لنجم سهيل دور محوري في تحديد الاتجاهات إذ يستدل به على جهة الجنوب ولهذا السبب تحديدا ارتبط اسمه بالركن اليماني من الكعبة المشرفة ويبدأ ظهوره في منطقة الخليج العربي قبيل شروق شمس يوم الرابع والعشرين من أغسطس بينما يكون ظهوره واضحا في شمال المملكة بحلول الثامن من سبتمبر.
يترافق طلوع النجم مع ظواهر طبيعية مميزة حيث تهب رياح لطيفة تسمى هبايب سهيل وتظهر في السماء سحب موسمية تعرف باسم الروائح التي تعد مقدمة لأمطار الوسم ليظل سهيل بذلك رمزا يجمع بين العلم الفلكي والموروث الشعبي والأدبي الغني في ذاكرة أبناء المنطقة.