قد يعتقد الكثيرون أن جدران منازلهم تشكل حصناً منيعاً يحميهم من الملوثات البيئية الخارجية، إلا أن الحقيقة الصادمة تكشف أن الهواء الداخلي قد لا يكون بالنقاء المتوقع. فبينما يرتبط غاز ثاني أكسيد النيتروجين في الأذهان عادةً بعوادم المركبات وازدحام الطرق، أثبتت المعطيات العلمية أنه يتواجد بكثافة داخل البيوت أيضاً، مستهدفاً صحة الرئة والجهاز التنفسي، وتكمن المفارقة في أن مصدره الأساسي هو الأدوات التي نعتمد عليها يومياً في حياتنا المعيشية.
وقد سلطت دراسة حديثة صادرة عن جامعة ستانفورد الضوء على هذا الخطر الخفي، مشيرة إلى أن الأجهزة المنزلية تساهم بنسبة مفزعة في معدلات التعرض لهذا الغاز السام. ولا تقتصر التبعات الصحية على مجرد تهيج بسيط في المسالك الهوائية، بل تمتد لتشمل تفاقم نوبات الربو، ورفع احتمالات الإصابة بأمراض مزمنة وخطيرة مثل السكري وسرطان الرئة. وتُظهر البيانات أن الاعتماد على مواقد الغاز والبروبان يشكل وحده ربع إجمالي ما يتعرض له الفرد من هذا الغاز على المدى الطويل، بل إن هذه النسبة قد تقفز لتتجاوز النصف داخل المنازل التي يتم فيها الطهي بشكل متكرر وكثيف.
وما يزيد الأمر تعقيداً هو طبيعة هذه الانبعاثات؛ حيث أوضحت الأبحاث أن مواقد الغاز تُحدث طفرات مفاجئة ومركزة من التلوث تتخطى في شدتها الحدود الآمنة التي وضعتها المنظمات الصحية العالمية، حتى وإن كانت لفترات قصيرة. وبالتوازي مع ذلك، وجد باحثون أن هذه المواقد قد تنفث جسيمات دقيقة تفوق في خطورتها ما يخرج من عوادم السيارات بمئات المرات، بالإضافة إلى إطلاق مادة البنزين الكيميائية المعروفة بصلتها بأمراض الدم والأورام، والتي تشكل تهديداً مضاعفاً لصحة الأطفال مقارنة بالبالغين نظراً لحساسية أجسادهم في طور النمو.
ورغم الانتشار الواسع لمواقد الغاز في المنازل الأمريكية، بدأت تلوح في الأفق تحركات رسمية للحد من هذه المخاطر، كما حدث في نيويورك عبر سن تشريعات تهدف لإلزام المباني الجديدة باستخدام الأجهزة الكهربائية مستقبلاً، وإن كانت هذه القوانين لا تزال تواجه تحديات قضائية تؤخر تطبيقها. وفي انتظار حلول جذرية، يجمع الخبراء على أن استبدال مواقد الغاز بالكهرباء هو الخيار الأمثل لضمان بيئة صحية، ولكن كإجراءات وقائية فورية، يُنصح بشدة بضمان تهوية جيدة للمطبخ عبر فتح النوافذ أو استخدام الشفاطات بفاعلية، فضلاً عن الاعتماد على بدائل كهربائية صغيرة كالغلايات والمحمصات لتقليل الاعتماد على الموقد الرئيسي.
التعليقات