تُعد السنوات التي تلي بلوغ المرأة عقدها الرابع محطة مفصلية في رحلة العمر، فهي ليست مجرد مرحلة زمنية عابرة، بل بوابة نحو تحولات عميقة تمس الجوانب النفسية والبيولوجية وحتى الاجتماعية، وبينما يميل البعض إلى وصف هذه الفترة بمصطلح “الأزمة”، ينظر إليها المتخصصون من زاوية مغايرة تماماً، عادّين إياها فرصة ذهبية للنضج وإعادة ترتيب أوراق الحياة بنظرة أكثر حكمة وعمقاً.
تتزامن هذه المرحلة مع لغة جديدة يتحدث بها الجسد، حيث تبدأ التغيرات الهرمونية، وعلى رأسها تذبذب مستويات الإستروجين، في فرض إيقاعها على الحالة المزاجية وجودة النوم ومستويات الطاقة، ومن الضروري التعامل مع هذه الإشارات الطبيعية بوعي وتقبل، بدلاً من القلق، إذ إن فهم طبيعة هذه التحولات الفسيولوجية هو المفتاح الأول للعبور بسلام نحو استقرار نفسي وجسدي، بعيداً عن التوتر الذي قد تسببه الأفكار المغلوطة حول التقدم في السن.
وفي خضم هذه التحولات، تجد المرأة نفسها غالباً في وقفة تأملية لمراجعة شريط حياتها، طارحة تساؤلات وجودية حول ما تم إنجازه وما تبقى من طموحات، ورغم أن هذه الأسئلة قد تثير بعض القلق بشأن سرعة انقضاء الوقت، إلا أنها تمثل دافعاً قوياً لإعادة صياغة الأولويات، خاصة في ظل الثقل الذي تفرضه الأدوار المتعددة التي تلعبها المرأة كأم وزوجة وعاملة، مما قد يشعرها بأنها تستنزف طاقتها لإسعاد الآخرين على حساب ذاتها.
وعوضاً عن الاستسلام لشعور “الأزمة”، يمكن تحويل هذه المشاعر إلى طاقة بناءة لإعادة اكتشاف الذات، حيث تتجه الكثيرات نحو استثمار أوقاتهن في تعلم مهارات جديدة، أو العناية باللياقة البدنية، أو حتى تطوير المسار المهني والاجتماعي، فالعناية بالنفس هنا ليست رفاهية، بل ضرورة لتعزيز الثقة بالنفس، ولا يكتمل هذا البناء النفسي إلا بوجود شبكة دعم قوية من الأهل والأصدقاء، حيث يساهم التقدير العاطفي في تبديد مشاعر الوحدة والضغط.
ومن الناحية الصحية، يصبح الجسم بعد الأربعين أكثر تطلباً لنظام حياة متوازن، إذ لم تعد العشوائية في الغذاء أو الحركة خياراً متاحاً كما كانت في سنوات الشباب، لذا فإن التثقيف الصحي حول مرحلة انقطاع الطمث وما يسبقها يعد ركيزة أساسية لتجهيز الجسم للمراحل القادمة، فالوعي بالتغيرات ومناقشة الخيارات العلاجية المتاحة للأعراض المزعجة يزيل المخاوف ويمهد الطريق لحياة مفعمة بالحيوية.
وعلى صعيد التغذية، تتطلب هذه المرحلة استراتيجية ذكية في اختيار الطعام لضمان استقرار الحالة المزاجية والجسدية، فعلى سبيل المثال، يمكن لقطعة صغيرة من الشوكولاتة الداكنة أن تكون محفزاً لطيفاً للمزاج بفضل محتواها من الكافيين، كما يُنصح بتوزيع الطاقة على مدار اليوم من خلال وجبات خفيفة غنية بالبروتين والألياف لتجنب الهبوط المفاجئ في النشاط، مع ضرورة التركيز على الأطعمة ذات المؤشر السكري المنخفض مثل الحبوب الكاملة والخضراوات للحفاظ على توازن سكر الدم.
إضافة إلى ذلك، يلعب الانتقاء النوعي للأطعمة دوراً جوهرياً في مكافحة الشيخوخة وتعزيز المناعة، حيث يُعتبر التوت بأنواعه كنزاً من مضادات الأكسدة، في حين يجب التعامل بحذر مع الكافيين ليكون وسيلة تنبيه معتدلة لا عادة إدمانية، مع ضرورة الابتعاد تماماً عن مشروبات الطاقة التي تعطي وهماً زائفاً بالنشاط يعقبه خمول شديد، ولا يمكن إغفال أهمية البروتينات الصحية كالأسماك والدواجن، والفيتامينات الأساسية مثل “سي” و”ب” المركب لتعزيز الحرق والطاقة، وكل ذلك يجب أن يرتكز على قاعدة صلبة من شرب الماء بكميات وافرة لتجنب الجفاف المسبب للإرهاق، والبدء بوجبة إفطار مغذية تضبط إيقاع الجوع والنشاط لبقية اليوم.
التعليقات