تعتبر الغدة الدرقية بمثابة محرك حيوي صغير يتخذ شكل فراشة ويستقر في مقدمة العنق، حيث تلعب دورًا محوريًا في ضبط إيقاع العمليات الحيوية داخل الجسم. تتولى هذه الغدة مسؤولية دقيقة تتمثل في إفراز هرمونات تتحكم في سرعة الأيض وكيفية استهلاك الطاقة، وأي اضطراب في وظيفتها، سواء بالزيادة المفرطة أو النقصان الحاد، ينعكس سلبًا على صحة الإنسان، مع ملاحظة أن النساء هن الفئة الأكثر عرضة لهذه الاضطرابات مقارنة بالرجال.
وتعمل هذه المنظومة بتناغم دقيق مع الغدة النخامية الموجودة في الدماغ، والتي تلعب دور المايسترو؛ إذ تراقب مستويات الهرمونات في الدم باستمرار، وحين ترصد أي اختلال، ترسل إشارات كيميائية محددة لتوجيه الغدة الدرقية نحو تعديل إنتاجها، إما بالزيادة أو النقصان، لضمان استقرار الحالة الصحية للجسم وعدم استنزاف طاقته.
غالبًا ما يكون تشخيص خلل الغدة تحديًا طبيًا نظرًا لتشابك أعراضها مع مشكلات صحية أخرى، لكن الجسد يبعث برسائل تحذيرية لا يجب تجاهلها. ففي حالات النشاط الزائد، يدخل الجسم في حالة من التسارع غير المبرر، فيعاني المريض من فقدان الوزن رغم النهم للطعام، وخفقان القلب، والتعرق الغزير، والتوتر الدائم، ورعشة الأطراف. في المقابل، عندما يصيب الغدة الخمول، تتباطأ وظائف الجسم، مما يؤدي إلى زيادة الوزن، والشعور المستمر بالبرد، وجفاف الجلد، والإمساك، بالإضافة إلى تشتت الذهن والميل للاكتئاب، وقد يصاحب ذلك اضطرابات في الدورة الشهرية لدى النساء وتورم في الوجه أو العنق يعيق البلع.
تتعدد الجذور المسببة لهذه الاعتلالات، فقد يكون السبب مناعيًا كما في مرض “هاشيموتو” حيث يهاجم الجسم نفسه، أو نتيجة التهابات عارضة قد تعقب الولادة، وأحيانًا يلعب النقص الغذائي لعنصر اليود دورًا رئيسيًا، وهو ما تمت معالجته عالميًا بإضافة اليود لملح الطعام. كما قد يولد بعض الأطفال بقصور خلقي يستدعي التدخل السريع لحماية نموهم العقلي والجسدي.
أما بخصوص المسار العلاجي، فهو يعتمد كليًا على طبيعة التشخيص؛ إذ يتم تعويض القصور الهرموني بتناول بدائل دوائية يومية مدى الحياة لضبط التوازن، بينما تتطلب حالات فرط النشاط كبح جماح الغدة عبر أدوية مثبطة، أو استخدام اليود المشع لتقليل فاعليتها، وقد يصل الأمر إلى التدخل الجراحي لاستئصال جزء منها أو كلها، خاصة في الحالات المعقدة أو الأورام، لضمان استعادة الجسم لعافيته واستقراره.
التعليقات