تُشكل الاضطرابات التي تصيب الجهاز المناعي تحدياً صحياً معقداً يتسم بالغموض، لا سيما في مراحله الأولى، حيث تتخفى هذه الحالات خلف أعراض تتشابه كثيراً مع مشكلات صحية أخرى، وقد تظهر تارة وتختفي تارة أخرى، مما يولد شعوراً زائفاً بالتعافي قبل أن تعاود الظهور مجدداً، وهو ما يجعل الوصول إلى تشخيص دقيق أمراً ليس باليسير.

وفي محاولة لفهم جذور هذه المشكلة، لا يزال العلماء يبحثون عن الأسباب الدقيقة التي تدفع الجسم لشن حرب ضد نفسه، فالآلية المعروفة حتى الآن تتمثل في حدوث خلل وظيفي يجعل الجهاز الدفاعي -المسؤول عن حماية الإنسان- يهاجم الأنسجة والخلايا السليمة عن طريق الخطأ بدلاً من حمايتها، ومع ذلك تظل الدوافع الحقيقية وراء هذا الانحراف السلوكي للمناعة قيد البحث والدراسة المستمرة.

وعلى الرغم من عدم تحديد سبب قاطع، فقد رصد الباحثون مجموعة من العوامل والمحفزات التي قد ترفع من احتمالية الإصابة، حيث يلعب التكوين البيولوجي والوراثي دوراً بارزاً؛ فالنساء، على سبيل المثال، أكثر عرضة لهذه الأمراض مقارنة بالرجال، كما أن وجود تاريخ عائلي للإصابة يزيد من فرص توارثها، فضلاً عن أن إصابة الشخص بنوع واحد من أمراض المناعة الذاتية قد تجعله أكثر قابلية لتطوير أنواع أخرى من الاضطرابات المماثلة.

وإلى جانب العوامل الذاتية، تساهم المؤثرات الخارجية والبيئية بشكل كبير في تحفيز المرض، حيث ارتبطت بعض الالتهابات الفيروسية، مثل فيروس كورونا وفيروس إبشتاين-بار، بزيادة خطر الإصابة. كما أن نمط الحياة والبيئة المحيطة لهما تأثير لا يستهان به، فالتعرض المستمر للمواد الكيميائية في أماكن السكن أو العمل، بالإضافة إلى عادات مثل التدخين واستخدام التبغ، تعد جميعها من العوامل التي قد تؤدي إلى استثارة الجهاز المناعي وإلحاق الضرر بالجسم.