شهد العام المنصرم سلسلة متلاحقة من الكوارث البيئية التي أكدت التحليلات العلمية ارتباطها الوثيق بالتغيرات المناخية، حيث رصدت التقييمات الحديثة وقوع ما لا يقل عن اثنتين وعشرين كارثة كبرى خلال الاثني عشر شهرًا الماضية. وتشير الدلائل إلى أن الانبعاثات الغازية الناتجة عن الأنشطة البشرية لا تكتفي برفع درجات حرارة الكوكب فحسب، بل تعمل كوقود يؤجج عنف الظواهر الطبيعية في شتى بقاع الأرض، مما يضع البشرية أمام تحديات وجودية متزايدة.
وفي خضم هذه الفوضى المناخية، تتجلى بوضوح فجوة العدالة الاجتماعية، إذ تتحمل الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا العبء الأكبر، وتدفع النساء فاتورة باهظة وغير متكافئة عند وقوع هذه الأحداث المتطرفة. ورغم أن العام الحالي لم يتجاوز الأرقام القياسية للحرارة التي سُجلت في العام السابق، إلا أن الخبراء يصنفون الارتفاع الشديد في درجات الحرارة كأحد أخطر التهديدات؛ فهو يعمل كقاتل خفي يحصد الأرواح بصمت، على عكس العواصف والفيضانات التي تترك دمارًا ماديًا ملموسًا، حيث تسببت موجات القيظ وحدها في وفاة عشرات الآلاف في القارة الأوروبية خلال الصيف الأخير.
وقد أثبتت الدراسات المتخصصة أن التدخل البشري في النظام البيئي ضاعف من حدة موجات الحر، مضيفًا درجات حرارة ملموسة جعلت الأجواء لا تطاق، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يعملن في قطاعات تتطلب البقاء تحت أشعة الشمس المباشرة كالزراعة والتجارة الجائلة. وتتفاقم المعاناة في مناطق مثل جنوب السودان، حيث تقع مسؤولية الأعمال المنزلية الشاقة وجلب المياه والطهي على عاتق النساء بنسبة كبيرة، مما يعرضهن لظروف حرارية قاسية تؤدي إلى مشكلات صحية مزمنة تشمل الإجهاد القلبي وتضرر وظائف الكلى.
ولا تقتصر تداعيات هذا الطقس المتطرف على الصحة البدنية فحسب، بل تمتد لتضرب البنية التعليمية والاجتماعية في مقتل؛ فإغلاق المدارس هربًا من الحرارة المفرطة يؤدي إلى تراجع التحصيل العلمي، ويرسخ الأدوار النمطية للجنسين، مما يرفع من معدلات الزواج المبكر ويقلص فرص الفتيات في استكمال تعليمهن، وهو ما يعيد إنتاج دائرة الفقر وعدم المساواة.
وعلى صعيد أوسع، سلطت الأبحاث الضوء على الهطول المطري الغزير الذي ضرب دول الجنوب العالمي، تلك المناطق في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي تعاني أصلاً من ضعف الإمكانيات وانخفاض متوسط العمر المتوقع مقارنة بالدول الغربية. وتدعو الجهات العلمية المعنية بإسناد الطقس -وهي مبادرات تدرس الربط بين الأنشطة البشرية وعنف الطبيعة- إلى ضرورة التحرك العاجل للتخلي عن الوقود الأحفوري، الذي يعد المصدر الرئيسي لغازات الاحتباس الحراري وغالبية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مع أهمية ضخ استثمارات حقيقية في استراتيجيات التكيف لحماية المجتمعات من هذا الواقع المناخي الجديد.
التعليقات