مع انحسار أشعة الشمس وهيمنة الأجواء الباردة، يجد الكثير من الناس أنفسهم أسرى لمشاعر سلبية غير معتادة، حيث يميل البعض بشكل ملحوظ إلى الإفراط في النوم، أو تزداد رغبتهم في تناول الطعام بشراهة، بينما يسيطر على آخرين شعور بالإنهاك يدفعهم للابتعاد عن محيطهم الاجتماعي، وقد يصل الأمر لدى البعض إلى حالات اكتئاب حادة، وهذه الظاهرة ليست مجرد شعور عابر، بل هي حالة تتكرر سنويًا وتلقي بظلالها على ملايين البشر الذين يتأثرون بغياب الضوء واختلال نظام حياتهم اليومي، وبينما قد يمر البعض بنوبة كآبة خفيفة تتلاشى تلقائيًا، قد يتطور الأمر عند غيرهم ليصبح اضطرابًا عاطفيًا موسميًا يتطلب انتباهًا أكبر.
وفي سياق تفسير ما يحدث داخل أجسامنا خلال هذه الفترة، يرجع الخبراء النفسيون، ومنهم الدكتورة ريما بهانديكار، السبب الجوهري لهذا التقلب المزاجي إلى ندرة التعرض لضوء النهار، فهذا النقص يؤثر بشكل مباشر على الساعة البيولوجية للإنسان، مما يربك دورات النوم واليقظة ومستويات النشاط، وعلاوة على ذلك، تتأثر كيمياء الدماغ؛ إذ ينخفض إفراز السيروتونين المسؤول عن الشعور بالسعادة، مما يولد مشاعر الحزن وسرعة الانفعال، وفي المقابل يرتفع هرمون الميلاتونين الذي يحفز النعاس، مما يفسر تلك الرغبة الملحة في ملازمة الفراش والشعور المستمر بالخمول طوال أشهر الشتاء.
ومن الضروري عدم الاستهانة بالإشارات التي يرسلها الجسم والعقل، فقد تكون بداية لمشكلة أعمق من مجرد تعكر المزاج؛ إذ ينبه المختصون إلى ضرورة مراقبة أي تغييرات سلوكية، مثل فقدان الشغف بالهوايات التي كانت مصدر متعة سابقًا، أو مواجهة صعوبة بالغة في مغادرة السرير صباحًا، بالإضافة إلى النوم لساعات تتجاوز المعدل الطبيعي، والشعور بتشتت الذهن وثقل دائم في الجسد، فإذا ترافقت هذه الأعراض مع ميل للانعزال عن الأصدقاء، أو إهمال الوجبات الغذائية، واستمر التعب رغم أخذ قسط وافٍ من الراحة، فهنا يجب التوقف وإدراك أن الأمر يتجاوز تأثير الطقس، وأنه قد حان الوقت لطلب المشورة المتخصصة لتجاوز هذه المرحلة بسلام.
التعليقات