يظن الغالبية أن استنشاق الدخان المنبعث من سجائر الآخرين لا يتعدى كونه مجرد إزعاج عابر أو خطر تقليدي يهدد الرئة والقلب فحسب، لكن الحقيقة تخفي أبعاداً صحية أكثر تعقيداً، لا سيما فيما يخص المرأة وتوازنها البيولوجي، فالمواد السامة التي يحملها هذا الدخان، كالنيكوتين وأول أكسيد الكربون، تتسلل بصمت لتحدث خللاً في النظام الهرموني الدقيق، مما ينعكس بشكل مباشر على الصحة الإنجابية وانتظام الدورة الشهرية، وهي زاوية طبية هامة سلطت عليها الضوء الدكتورة أبارنا دادوال، الخبيرة في مجال الخصوبة، لتوضيح الآثار الخفية لهذا التعرض غير المباشر.

ولا يقتصر مفهوم التدخين السلبي على الجلوس المباشر بجوار شخص يدخن، بل يمتد ليشمل استنشاق بقايا الدخان العالقة في الأجواء المغلقة، مثل النوادي والمناسبات الاجتماعية، حيث تشير الأبحاث إلى أن الجزيئات غير المرئية تظل سابحة في الهواء لفترات طويلة، مما يزيد من احتمالية دخولها إلى الجسم دون أن يشعر المرء، وهذا الخطر “الخفي” يحمل في طياته آلاف المركبات الكيميائية والمعادن الثقيلة التي لا تهاجم الجهاز التنفسي فحسب، بل تمتد أذرعها لتعبث بكيمياء الجسم الداخلية بشكل جذري.

ومن الناحية الفسيولوجية، يؤدي التواجد المستمر في بيئات ملوثة بدخان التبغ إلى اضطراب ملحوظ في إفراز الهرمونات الأنثوية الأساسية مثل الإستروجين والبروجسترون، خاصة إذا حدث هذا التعرض في مراحل مبكرة من العمر أو خلال فترة المراهقة الحساسة، وتتجلى أعراض هذا الخلل الهرموني في صور متعددة، تبدأ من فوضى في مواعيد الطمث وزيادة حدة الآلام والتقلصات المرافقة له، وصولاً إلى المعاناة من اضطرابات النوم والأرق والإرهاق الجسدي العام، مما ينذر بمشكلات صحية قد تتفاقم وتصبح أكثر تعقيداً مع مرور الوقت.

وعلى المدى البعيد، لا تقل خطورة هذا النوع من التدخين اللاإرادي عن التدخين الفعلي المباشر، حيث يهدد مخزون الخصوبة لدى المرأة عبر التأثير سلباً على جودة البويضات وكميتها، وقد يصل الأمر إلى التعجيل بسن اليأس أو ما يعرف بانقطاع الطمث المبكر، ويحذر الخبراء من أن العبث المستمر بالتوازن الهرموني الناجم عن السموم الكيميائية قد يؤدي إلى تقصير مدة الدورة الشهرية وتسارع وتيرة التبويض بشكل غير طبيعي، مما يضع المستقبل الإنجابي للمرأة في دائرة الخطر الحقيقي.