من الملاحظ أن وتيرة التعافي من نزلات البرد تتفاوت بشكل كبير بين البشر؛ فبينما يتمكن البعض من تجاوز الأزمة الصحية والعودة إلى نشاطهم الطبيعي خلال أيام معدودة، قد يجد آخرون أنفسهم أسرى للأعراض لفترة زمنية أطول. هذا التباين الملموس في مدة المرض ليس عشوائياً، بل هو نتاج تفاعل معقد بين كفاءة الجهاز المناعي، والتاريخ الصحي للفرد، بالإضافة إلى العادات اليومية المتبعة.

ويعود السبب الجوهري في سرعة الشفاء لدى البعض إلى طبيعة الاستجابة المناعية التي تتحكم فيها العوامل الوراثية بشكل أساسي؛ إذ يتمتع بعض الأشخاص بدفاعات بيولوجية يقظة قادرة على رصد الغزاة من الفيروسات وتحييدهم بكفاءة عالية، مما يمنحهم أفضلية في التعافي السريع مقارنة بغيرهم. وبالتوازي مع ذلك، تلعب “الذاكرة المناعية” دوراً حاسماً؛ فعندما يواجه الجسم فيروساً يشبه في تركيبته فيروسات سبق له التعامل معها ومقاومتها، تكون ردة فعله الدفاعية أسرع وأكثر حزماً، مما يقلص من حدة المرض ويختصر مدته الزمنية بشكل ملحوظ.

وعلاوة على ذلك، لا يمكن إغفال طبيعة الفيروس ذاته، حيث توجد مئات السلالات الفيروسية المختلفة المسببة للزكام، وتختلف كل سلالة في شراستها وقدرة الجسم على التصدي لها، مما ينعكس مباشرة على طول فترة المعاناة ووقت التماثل للشفاء. كما تتداخل العوامل البيولوجية الفطرية والفروق التكوينية بين الأفراد في تحديد شكل وعمق الاستجابة للمرض، مما يجعل فئات معينة عرضة لأعراض أكثر حدة أو استمرارية من غيرهم.

وفي سياق متصل، تُعد أنماط الحياة اليومية بمثابة الداعم الرئيسي أو المعيق لعمل الجهاز المناعي؛ فالحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد، والاهتمام بالتغذية السليمة، والحفاظ على رطوبة الجسم، والابتعاد عن مصادر التوتر والقلق، كلها عناصر تعزز من قدرة الجسم على المقاومة. ونتيجة لذلك، غالباً ما يتعافى الأشخاص الذين يولون اهتماماً بصحتهم العامة ونمط حياتهم بسرعة أكبر مقارنة بمن يعانون من ضعف في المناعة أو يتبعون عادات غير صحية. وفي المحصلة، ورغم أن الأعراض غالباً ما تتلاشى تلقائياً خلال فترة تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام، إلا أن تفاعل هذه العوامل مجتمعة هو ما يحدد ما إذا كانت تلك الفترة ستمر سريعاً أم ستمتد لوقت أطول.