تصاعدت في الآونة الأخيرة النقاشات حول دور التقييمات النفسية داخل أروقة المحاكم، حيث باتت المستندات التي تشخص الحالة العقلية للجناة محط شكوك متزايدة؛ فبدلاً من أن تكون هذه التقارير ركيزة علمية تخدم كشف الحقيقة، ظهرت مخاوف جدية من تحولها إلى ثغرة تستخدم لتعطيل ميزان العدالة وحماية مرتكبي الجرائم من نيل جزائهم المستحق.
وقد لوحظ تكرار سيناريو مثير للريبة في عدد من الجنايات الكبرى، إذ يتقدم متهمون لا يملكون أي سجل مرضي سابق بشهادات تفيد بعدم أهليتهم أو تعرضهم لاضطرابات ذهنية مفاجئة لحظة وقوع الجريمة، ورغم غياب المؤشرات التاريخية التي تدعم هذه المزاعم، فقد ساهمت تلك الأوراق في بعض الوقائع في تخفيف العقوبات أو حتى تبرئة ساحة المتهمين، مما وضع علامات استفهام كبيرة حول مدى نزاهة وواقعية تلك التشخيصات المقدمة للجهات القضائية.
ويرجع خبراء في هذا المجال أسباب هذا الخلل إلى سهولة اصطناع الأعراض والمبالغة فيها من قبل البعض، أو صدور أحكام طبية مستعجلة تستند إلى جلسات تقييم عابرة لا تغوص في عمق الحالة، كما أن غياب الرقابة الصارمة وعدم وجود هيئات استشارية محايدة ومتعددة التخصصات لمراجعة هذه الملفات بدقة، يفتح الباب أمام احتمالية تداخل المصالح أو الرضوخ لضغوط معينة، مما يسهل تمرير تقارير قد لا تمت للواقع بصلة.
ومن منظور قانوني، يؤكد الضليعون في القضاء أن الإشكالية ليست في الطب النفسي ذاته، فهو يظل أداة جوهرية لإنصاف المرضى الفعليين، ولكن الخطر يكمن في توظيفه بشكل ملتوٍ ليصبح “ملاذاً آمناً” للهروب من المساءلة، ولتدارك هذا الانحراف، تتعالى الأصوات المطالبة بفرض إجراءات تدقيق صارمة تشمل عرض المتهمين على لجان طبية متعددة ومستقلة، مع فرض عقوبات رادعة على أي ممارس صحي يثبت تورطه في تزييف الحقائق أو مخالفة الأمانة المهنية، وذلك لضمان التمييز الدقيق بين المعاناة النفسية الحقيقية والمحاولات المفبركة للتنصل من العدالة.
التعليقات