لم تعد قصص الغرام الملتهبة هي البوابة الوحيدة أو الأكثر تفضيلاً لدخول القفص الذهبي في المجتمعات العربية مؤخرًا، فقد رصد المراقبون للمشهد الاجتماعي تحولاً ملموساً في بوصلة الشباب نحو ما يُعرف بالزواج التقليدي أو “زواج الصالونات”، متجاوزين بذلك حقبة هيمنت فيها فكرة الارتباط القائم على العاطفة المجردة وحدها، وهو تحول دفع المختصين للبحث في عمق الدوافع التي جعلت من العودة إلى الجذور خياراً أكثر جاذبية وموضوعية للجيل الحالي.
وييبدو أن البحث عن “السكينة” بات يتفوق على الرغبة في خوض مغامرات عاطفية غير محسوبة، إذ وجد الكثيرون في ترشيحات الأهل وتزكية المعارف طوق نجاة يوفر لهم قدراً عالياً من الطمأنينة؛ فالاعتماد على الخبرة الأسرية في انتقاء الشريك يعمل كفلتر اجتماعي دقيق يقلص هوامش الخداع ويحمي الشباب من التورط في علاقات غير متكافئة، خاصة في ظل تعقيدات الحياة المعاصرة التي تتطلب شريكاً يتمتع بخصال ومقومات تتجاوز مجرد الانجذاب الشكلي أو اللحظي.
هذا التوجه لم يأتِ من فراغ، بل كان نتاجاً لحالة من التشبع والإرهاق النفسي عانى منها قطاع واسع من الشباب جراء تجارب عاطفية سابقة اتسمت بالعشوائية وعدم الجدية، مما خلف ندوباً نفسية واهتزازاً في الثقة، ودفعهم لإعادة ترتيب أولوياتهم، حيث أضحى الوعي بأن “الحب وحده لا يبني بيتاً” هو السائد، وأن الأساس المتين للعلاقة يتطلب توافقاً في القيم والمبادئ ودعماً عائلياً يضمن استمرارية المركب وسط الأمواج.
ولا يمكن إغفال الجانب المادي كعامل حاسم في هذه المعادلة، فمع تزايد الأعباء الاقتصادية وصعوبة تأسيس حياة زوجية بجهود فردية بحتة، أصبح لتدخل الأهل دور محوري في تأمين انطلاقة مستقرة للأسرة الجديدة، حيث يتيح النمط التقليدي للزواج فرصة للمكاشفة المالية المبكرة والتخطيط الواقعي الذي يقي الزوجين من الصدامات المستقبلية، ويعزز من فرص نجاح الشراكة بفضل التوافق الاجتماعي والتقارب في العادات والتقاليد الذي تضمنه شبكة العلاقات العائلية.
وفي المحصلة، لا يعني هذا التوجه إعداماً للمشاعر أو إلغاءً للحب، بل هو إعادة تعريف له بأسلوب أكثر نضجاً؛ فالشباب اليوم يبحثون عن عاطفة تنمو في بيئة آمنة ومستقرة، مدركين أن الزيجات الناجحة هي التي توازن بين قبول القلب ورجاحة العقل، وتستند إلى ركائز من التفاهم والدعم العائلي المتبادل بدلاً من الاعتماد الكلي على شرارة الحب الأولى فقط.
التعليقات