لطالما كان قرار الارتباط مرة أخرى محاطًا بمشاعر متباينة في مجتمعاتنا، حيث يمتزج القلق من تكرار الخيبات بالأمل في بناء حياة هانئة، لا سيما لدى النساء اللواتي مررن بتجربة انفصال سابقة. وفي هذا السياق، ترى خبيرة التنمية البشرية هبة شمندي أن المحاولة الثانية قد تحمل في طياتها فرصًا أكبر للنجاح والاستقرار مقارنة بالتجربة الأولى، شريطة أن تُبنى على أسس من الوعي والدروس المستفادة، فتعثر التجربة الأولى لا يعني بالضرورة نهاية المطاف، بل قد يكون جسرًا للعبور نحو علاقة أكثر اتزانًا.
ويكمن سر تميز الزواج الثاني غالبًا في كونه نتاج خيارات عقلانية مدروسة بعيدًا عن الاندفاع العاطفي أو الضغوط الاجتماعية المحيطة. فمع مرور الوقت، يكتسب الطرفان نضجًا نفسيًا وعاطفيًا يجعلهما أكثر واقعية وتفهمًا لطبائع النفس البشرية، بعيدًا عن الصور الحالمة والمثالية المفرطة التي تصاحب البدايات عادة. كما أن وضوح الرؤية يلعب دورًا حاسمًا، حيث يدرك كل طرف بدقة ما يحتاجه وما لا يمكنه التهاون فيه، مما يزيل الضبابية وسوء الفهم الذي غالبًا ما يتسبب في تصدع الزيجات الأولى.
إلى جانب ذلك، تساهم الخبرة الحياتية المكتسبة في تحسين لغة الحوار وتطوير مهارات التواصل، فيصبح الزوجان أقدر على احتواء الخلافات وحلها بهدوء. ويتحول المعيار في الاختيار من مجرد الانبهار اللحظي إلى البحث العميق عن التوافق الفكري والقيمي. كما يتميز هذا النوع من الارتباط بالاستقلالية العاطفية، حيث تقوم العلاقة على مبدأ الشراكة والدعم المتبادل لا على التعلق المرضي، مع وجود تقدير عميق لقيمة الاستقرار والسكينة والخوف من خسارتهما مرة أخرى، وهو ما يدفع الطرفين لبذل جهد حقيقي للحفاظ على كيان الأسرة، وغالبًا ما يصاحب ذلك انخفاض ملحوظ في حدة التدخلات العائلية، مما يمنح الزوجين مساحة خاصة وصحية للنمو.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، تشير شمندي إلى أن النجاح ليس مضمونًا بشكل تلقائي، بل يتطلب الأمر جاهزية نفسية تامة، تبدأ بالتعافي الكامل من آثار وآلام الماضي، وعدم إسقاط مشاعر التجربة السابقة أو مقارنتها بالشريك الجديد، مع ضرورة الالتزام بالشفافية والوضوح التام منذ اللحظة الأولى. ففي المحصلة، لا يعتبر الزواج الثاني مجرد محاولة لتعويض ما فات أو ترميم انكسار، بل هو فرصة ثمينة لاكتشاف نسخة أكثر تطورًا وحكمة من الذات، شريطة أن يتم التصالح مع الماضي واعتباره درسًا لا مهربًا.
التعليقات