لم يعد ظهور الشعر الأبيض مرتبطاً حصرياً بالتقدم في سنوات العمر، حيث باتت ظاهرة انتشار الشيب بين الفئات الشابة أمراً ملحوظاً يستدعي التوقف عنده، وهو ما نبه إليه متخصصون في مجال صحة الشعر والتغذية. وتكمن جذور هذه المشكلة في تضافر مجموعة من العوامل المتشابكة، إذ لا يمكن إلقاء اللوم على الزمن وحده؛ فالعامل الوراثي يلعب دور البطولة في هذا المشهد، حيث تزيد احتمالية ظهور الخصلات البيضاء في وقت مبكر إذا كان لهذا الأمر تاريخ ممتد داخل العائلة، مما يؤثر بشكل مباشر على كفاءة الخلايا وقدرتها على الاستمرار في إنتاج صبغة الميلانين المسؤولة عن منح الشعر لونه الطبيعي وحيويته.
وإلى جانب الجينات، تلعب الحالة الصحية العامة ونمط الحياة اليومي دوراً محورياً في تسريع وتيرة تحول الشعر إلى اللون الرمادي؛ فقد أظهرت الأبحاث أن الخلل في مستويات بعض العناصر الغذائية الحيوية بالجسم، وتحديداً نقص فيتامين “ب12″، ومخزون الحديد، والزنك، والنحاس، وحمض الفوليك، يؤدي بمثابة “تجويع” لبصيلات الشعر ويفقدها قدرتها على التلون. كما لا يمكن إغفال التأثير البالغ للضغوط النفسية والتوتر المزمن، الذي يعمل كمحفز قوي لشيخوخة الخلايا الصبغية قبل أوانها، فضلاً عن تأثيرات بعض الحالات المرضية العضوية مثل اضطرابات الغدة الدرقية أو أمراض المناعة الذاتية، إضافة إلى السلوكيات الخاطئة كالتدخين واستهلاك الكحوليات، اللذين يرفعان من معدلات الأكسدة الضارة في الخلايا.
ولمواجهة هذا التغير المبكر أو تأخيره قدر الإمكان، يوصي الخبراء بتبني استراتيجية علاجية ووقائية شاملة تبدأ بالتشخيص الطبي الدقيق لاستبعاد أي مسببات مرضية، والعمل على تعويض النقص في الفيتامينات والمعادن عبر الالتزام بنظام غذائي متوازن يركز على الأطعمة الغنية بالمغذيات الأساسية. وبالتوازي مع العلاج الداخلي، يُنصح بضرورة إدارة الحالة النفسية والابتعاد عن مصادر القلق من خلال ممارسة الرياضة بانتظام، وتطبيق تقنيات التنفس العميق، والحصول على قسط كافٍ من النوم لتقليل الإجهاد، مع أهمية العناية الخارجية بفروة الرأس باستخدام مستحضرات لطيفة وزيوت مغذية، واللجوء إلى الحلول التجميلية الآمنة كالحناء أو الصبغات الخالية من المواد الكيميائية القاسية في حال الرغبة بتغطية الشعر الأبيض لاستعادة الثقة بالنفس.
التعليقات