يسود اعتقاد راسخ لدى الأغلبية بأن فنجان القهوة هو المفتاح السحري لاستعادة النشاط وطرد النعاس، غير أن الواقع يحمل مفارقة عجيبة؛ إذ يجد البعض أنفسهم فريسة لموجة مفاجئة من الخمول والرغبة في النوم فور احتسائهم لهذا المشروب المنبه. وتفسير هذه الحالة العكسية لا يكمن في القهوة ذاتها بقدر ما يعود إلى آليات بيولوجية دقيقة تتحكم في كيفية تفاعل أجسادنا مع الكافيين. ففي داخل الدماغ، يقوم الكافيين بمهمة “الحجب المؤقت” لمستقبلات مادة الأدينوسين المسؤولة عن الشعور بالتعب، لكنه لا يوقف إنتاجها؛ وبمجرد زوال مفعول المنبه، تتدفق الكميات المتراكمة من هذه المادة لترتبط بالمستقبلات دفعة واحدة، مما يُحدث صدمة من الإرهاق المفاجئ.

علاوة على ذلك، تلعب العوامل الوراثية دوراً حاسماً في هذه المعادلة، حيث تختلف سرعة التمثيل الغذائي من شخص لآخر؛ فالبعض تمتلك أجسامهم قدرة فائقة على تفكيك الكافيين والتخلص منه بسرعة قياسية، مما ينهي حالة التيقظ سريعاً ويترك الجسم في مواجهة الإجهاد. كما أن الاعتياد اليومي يقلل من حساسية الجسم للمنبهات، فلا يعود الكافيين يحدث الأثر المرجو، بل قد تنقلب النتيجة إلى كسل، خاصة عندما يصاحب ذلك تذبذب في الهرمونات؛ إذ يؤدي انخفاض الدوبامين بعد ارتفاعه المؤقت إلى ما يشبه “هبوط الطاقة”.

ولا يمكن إغفال تأثير العادات المصاحبة لتناول القهوة، فإضافة السكر أو شربها على معدة خاوية يتسبب في ارتفاع حاد لسكر الدم يعقبه انخفاض سريع يؤدي إلى الوهن. يضاف إلى ذلك خاصية القهوة في إدرار البول، والتي قد تسبب الجفاف إذا لم يتم تعويض السوائل، وهو ما ينعكس مباشرة على طاقة الجسم. وفي النهاية، تظل القهوة عاجزة عن تعويض النقص الحاد في النوم الفعلي، حيث يستسلم الجسم المنهك للنعاس مهما كانت كمية المنبهات، لتكون هذه الغفوة استجابة طبيعية لحالة الجسم وليست مجرد تأثير جانبي للمشروب.