يواجه البعض حالة من الحيرة والقلق عندما يلازمهم السعال لفترات طويلة دون أي استجابة للعلاجات التقليدية أو مهدئات الكحة المعروفة، مما يدفعهم للتفكير في مسببات أخرى تتجاوز مجرد نزلات البرد العابرة. في كثير من الأحيان، يكون استمرار هذه الحالة ناتجاً عن عوامل كامنة لا يربطها المريض عادةً بجهازه التنفسي بشكل مباشر، ويأتي في مقدمتها مشكلات الجهاز الهضمي، حيث يُعد الارتجاع المريئي أحد أبرز المحفزات الخفية للسعال المزمن؛ إذ تتسرب أحماض المعدة صعوداً نحو الحلق مسببة تهيجاً مستمراً يترجمه الجسم على شكل كحة، وتزداد حدة هذه الأعراض عادة عند الاستلقاء للنوم أو عقب تناول وجبات دسمة، وقد يرافقها شعور بالحموضة أو مرارة في الفم.
من ناحية أخرى، تلعب التفاعلات التحسسية دوراً جوهرياً في استدامة السعال، فقد يكون رد فعل الجسم تجاه مثيرات خارجية مثل الغبار، أو الروائح النفاذة، أو حبوب اللقاح، وحتى وبر الحيوانات الأليفة، هو السبب الرئيسي. وتتميز الكحة في هذه الحالة بكونها جافة وتنشط في أوقات أو أماكن محددة، وغالباً ما تكون مصحوبة بأعراض أخرى غير حرارية مثل العطس المتكرر وحكة العينين أو الأنف. وفي سياق متصل، لا يمكن إغفال دور الجيوب الأنفية وما يعرف بمتلازمة التنقيط الأنفي الخلفي، حيث تتراكم الإفرازات وتتسلل إلى الحلق بدلاً من الخروج الطبيعي، مما يخلق شعوراً دائماً بوجود جسم غريب أو بلغم يستدعي النحنحة المستمرة، وهي حالة شائعة عقب الالتهابات الفيروسية التي لم تُعالج بشكل كامل.
كما أن العوامل الخارجية والبيئية لها تأثيرها المباشر، فالتعرض المستمر لدخان السجائر أو ملوثات الهواء قد يصيب حتى غير المدخنين بسعال مزمن مصحوب ببلغم، يشتد عادة في ساعات الصباح الأولى. إضافة إلى ذلك، قد يكون السبب موجوداً داخل خزانة الأدوية، إذ تُعرف بعض العقاقير الطبية، وتحديداً فئات معينة من علاجات ضغط الدم، بأنها تسبب سعالاً جافاً كأثر جانبي يستمر طوال فترة تعاطي الدواء.
وفي النهاية، يبقى المعيار الزمني هو الفاصل في التعامل مع هذه الحالات، فرغم أن معظم نوبات السعال تكون غير مقلقة، إلا أن استمرارها لأكثر من ثلاثة أسابيع يستوجب التدخل الطبي، لاسيما إذا ترافقت مع مؤشرات تحذيرية مثل خروج الدم، أو آلام الصدر، أو صعوبة التنفس، أو فقدان الوزن المفاجئ. لذا فإن الحل الجذري لا يكمن في قمع السعال بالمسكنات، بل في التشخيص الدقيق ومعالجة السبب الأصلي، سواء كان ذلك بضبط حموضة المعدة، أو السيطرة على الحساسية، أو علاج التهابات الجيوب الأنفية.
التعليقات