تتجاوز عبارة «ديما مغرب» كونها مجرد شعار دارج يردده العامة، لتصبح أيقونة لغوية تختزل معاني الوفاء الأبدي والانتماء الراسخ للأرض، وهي كلمة ذات جذور عربية توحي بالديمومة والاستمرار. لكن اللافت في نسخة كأس الأمم الإفريقية لعام 2025 هو كيف تحول هذا الهتاف المحلي إلى جسر للمودة العابرة للحدود، حين صدحت الحناجر المغربية بعبارة «ديما مصر» بنفس القوة والحماس، معلنةً أن حدود التشجيع قد تلاشت أمام مشاعر الأخوة، وأن المدرجات أصبحت ساحة لتوحيد القلوب قبل أن تكون مكاناً للتنافس.
لم يكن الدعم الجماهيري الكبير الذي حظي به المنتخب المصري في ملاعب المملكة مجرد مجاملة عابرة للضيوف، بل كان تجسيداً حقيقياً وعملياً لروح الكرم وحسن الوفادة المتأصلة في الشعب المغربي. فقد تحول ملعب مدينة أغادير إلى ساحة احتفالية اكتظت بما يقارب 40 ألف مشجع، جلهم من أهل الدار، ساندوا «الفراعنة» بحماس منقطع النظير في مواجهتهم الحاسمة ضد جنوب إفريقيا، وكذلك في المباريات السابقة أمام زيمبابوي وأنغولا، وكأن اللقاءات تقام في القاهرة وليست خارج الديار، مما شكل دافعاً معنوياً هائلاً لكتيبة المدرب حسام حسن لتحقيق الانتصارات.
هذا المشهد الاستثنائي من التلاحم والتآخي دفع القائمين على الكرة المصرية إلى توجيه رسائل شكر وعرفان عميقة للجماهير المغربية، مؤكدين أن ما حدث في أغادير يعكس عمق الروابط التاريخية والدم الذي يجمع الشعبين. لقد أثبت المشجعون، سواء الذين حضروا من مصر أو أشقاؤهم المغاربة، أنهم العنصر الأهم والنبض الحقيقي للبطولة، صانعين أجواءً كرنفالية جمعت الألوان والأعلام في لوحة فنية فريدة تؤكد أن الجماهير هي من تصنع الروح والبهجة في الملاعب.
وتأتي هذه المؤازرة لتعزز العلاقات المتينة والراسخة التي تربط الدولتين الشقيقتين على كافة الأصعدة، السياسية والاقتصادية والثقافية، لتكون كرة القدم مرآة صافية تعكس هذا الانسجام. وفي خضم المنافسة الشرسة على اللقب القاري، وسواء كانت الطموحات تتجه نحو تحقيق المغرب لإنجاز جديد أو سعي مصر لاستعادة أمجادها وسيطرتها الإفريقية، تبقى الرسالة الأسمى هي تلك التي كتبتها الجماهير بهتافاتها الصادقة، مؤكدة أن الروح الرياضية والوحدة العربية هي الفائز الأكبر والدائم في هذا العرس الإفريقي الكبير.
التعليقات