لطالما حظي البيض بشعبية واسعة كعنصر أساسي على موائد الطعام، ورغم معدلات استهلاكه المرتفعة عالميًا، إلا أنه ظل لفترات مديدة أسيرًا لسمعة غير مستحقة ربطته بمشاكل صحية خطيرة، وعلى رأسها ارتفاع الكوليسترول وأمراض القلب، ناهيك عن المخاوف المرتبطة بسلامته البكتيرية. إلا أن هذا “الاتهام القديم” بدأ يتلاشى أمام الحقائق العلمية الحديثة التي أعادت الاعتبار لهذا الغذاء، حيث يشير خبراء التغذية حاليًا إلى أن تلك التحذيرات كانت مبنية على استنتاجات غير دقيقة عفا عليها الزمن، مؤكدين أن البيض يمثل في الواقع منجمًا للعناصر الغذائية الضرورية للجسم.
وقد كشفت المراجعات الحديثة للدراسات التي أجريت في منتصف القرن الماضي أن الربط بين البيض وأمراض القلب كان مضللًا؛ فاللوم لم يكن يقع على البيض بحد ذاته، بل على النمط الغذائي العام للمشاركين في تلك الأبحاث، والذين كانوا يفرطون في تناول اللحوم المصنعة والسكريات والكربوهيدرات المكررة مع إهمال الخضروات، مما جعل البيض مجرد ضحية ضمن نظام غذائي غير متوازن. وبالنظر إلى تكوينه، نجد أن البيضة الواحدة تقدم وجبة غذائية متكاملة منخفضة السعرات والملح، وغنية ببروتين عالي الجودة، إضافة إلى فيتامينات حيوية مثل “د” ومجموعة “ب”، وشكل من أشكال فيتامين “أ” الذي يسهل على الجسم امتصاصه بكفاءة أعلى من المصادر النباتية، مما يجعله خيارًا مثاليًا للنباتيين أيضًا.
ومن المفاهيم الخاطئة التي يجب تصحيحها الاعتقاد بأن بياض البيض هو الجزء الصحي الوحيد، والحقيقة أن صفار البيض يحتوي على أكثر من 90% من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة الموجودة في البيضة، لذا فإن تناوله كاملًا يضمن الاستفادة القصوى. وفي سياق المقارنة بين الأنواع، فرغم أن البيض العضوي قد يتفوق قليلًا في نسبة “أوميجا 3″، إلا أن الفوارق ليست جوهرية، ويظل البيض التقليدي خيارًا صحيًا ممتازًا ومتاحًا للجميع.
ويبقى العامل الحاسم في القيمة الصحية للبيض هو طريقة طهيه؛ فالسلق يُعد الخيار الأمثل للحفاظ على نقاء الغذاء دون إضافة دهون، كما أنه يحمي مضادات الأكسدة الهامة لصحة الدماغ والعين، ويساعد السلق الجيد على رفع معدل امتصاص الجسم للبروتين بشكل كبير. وتشبه طريقة “البيض المسلوق بدون قشر” نظيرتها التقليدية في الفوائد، مع ضرورة الانتباه لعدم الإفراط في الملح. أما الطهي البطيء فيمتاز بالحفاظ على ليونة الصفار مما يعزز امتصاص الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون.
وعند الرغبة في تنويع طرق التحضير، يعتبر دمج البيض مع الخضروات والبقوليات خيارًا ذكيًا لرفع محتوى الألياف وخفض درجات حرارة الطهي، كما في الأطباق التقليدية المعروفة. وبالنسبة للبيض المخفوق، تظل صحيته مرهونة بعدم إضافة الزبدة أو الكريمة لتجنب الدهون المشبعة. في المقابل، يأتي القلي في ذيل القائمة كأقل الطرق صحية، نظرًا لأن الحرارة العالية قد تؤثر سلبًا على تركيبة الدهون والكوليسترول، وينصح عند الضرورة بتقليل وقت القلي واستخدام زيوت تتحمل الحرارة. وخلاصة القول، لم تعد الجهات الصحية تضع قيودًا صارمة على عدد البيض المستهلك، حتى لمرضى الكوليسترول، بل أصبح التركيز منصبًا على تحسين جودة النظام الغذائي بمجمله وتقليل الدهون الضارة من مصادرها الأخرى.
التعليقات