قد لا يلتفت البعض إلى أن ما يحدث داخل تجويف الفم ما هو إلا انعكاس مباشر لما يدور في الخفاء داخل المعدة، حيث تُرسل أجسامنا إشارات تحذيرية صامتة عبر الفم قد تنبئ بوجود مشكلات صحية أعمق، وعلى رأسها الإصابة بالبكتيريا الحلزونية المعروفة بجرثومة المعدة. هذه العدوى البكتيرية الشائعة لا يجب الاستهانة بها، إذ إن إهمال علاجها في مراحلها الأولى قد يفتح الباب أمام مضاعفات جسيمة تشمل التهابات المعدة المزمنة والقرح الهضمية المؤلمة، مما يستدعي الانتباه الدقيق لأي تغيرات تطرأ على صحة الفم.

ومن أبرز الدلالات التي تشير إلى وجود هذا الخلل البكتيري انبعاث رائحة غير مستحبة ومزمنة من الفم، والتي لا تختفي حتى مع العناية المستمرة بالأسنان، نظرًا لأن مصدرها الحقيقي هو الغازات والمركبات الناتجة عن نشاط البكتيريا في الجهاز الهضمي. وبالتوازي مع ذلك، قد يشعر المصاب بطعم غريب يميل إلى المرارة أو النكهة المعدنية، وهو نتاج مباشر لاضطراب إفرازات الأحماض المعوية. كما يمكن ملاحظة تغيرات بصرية واضحة، مثل تكون طبقة كثيفة باللون الأبيض أو الأصفر تغطي اللسان، مما يعكس اختلال التوازن الحيوي وتراكم الميكروبات.

ولا تقتصر الأعراض على ذلك فحسب، بل قد يمتد تأثير العدوى ليسبب مشكلات في الأنسجة المحيطة بالأسنان، مثل الالتهابات المتكررة في اللثة التي تحدث نتيجة انتقال البكتيريا عبر اللعاب، بالإضافة إلى ظهور تقرحات صغيرة ومفاجئة داخل الفم دون مبرر واضح. ويرافق هذه الأعراض غالبًا شعور مستمر بجفاف الفم، الناتج عن تأثر الغدد اللعابية بالعمليات الالتهابية المستمرة في الجسم. وتكمن خطورة تجاهل هذه العلامات في أن الفم نفسه قد يتحول إلى مخبأ ومستودع للجرثومة، مما يفسر حالات الانتكاس وعودة العدوى للمعدة حتى بعد تلقي العلاج الدوائي، إذا لم تتم العناية بصحة الفم بشكل متزامنة.

ولكسر دائرة العدوى وضمان الوقاية، ينصح الخبراء بتبني نمط حياة صحي يعتمد على النظافة الشخصية الدقيقة للفم والأسنان، والحرص الشديد على غسل الأطعمة النباتية جيدًا قبل استهلاكها، مع ضرورة تجنب العادات الخاطئة مثل مشاركة أدوات الطعام والشراب مع الآخرين. ويبقى الإجراء الأهم هو التوجه الفوري للطبيب المختص عند رصد أي من هذه التغيرات الفموية، خاصة إذا تزامنت مع مشكلات هضمية، لضمان التشخيص السليم والعلاج الفعال.