يعاني عدد كبير من الأشخاص من انزعاج تنفسي مزمن يشتد وطأة مع تبدل الفصول أو عند التعرض لعوامل بيئية معينة، وهي حالة تُعرف بالتهاب الأنف التحسسي. وعلى الرغم من أن مظاهرها قد تتداخل مع نزلات البرد المعتادة، إلا أن جذور المشكلة مختلفة تمامًا؛ فهي لا تنجم عن عدوى فيروسية، بل تنشأ عن استجابة مناعية مبالغ فيها تجاه عناصر غير ضارة في الأصل. تظهر هذه الاستجابة فور استنشاق مواد مثل غبار الطلع، أو وبر الحيوانات الأليفة، أو حتى عند التعرض لروائح العطور النفاذة والمنظفات الكيميائية، ناهيك عن تأثير التواجد في بيئات مغلقة تفتقر للتهوية الجيدة أو ملوثة بدخان التبغ.
تترجم ردة الفعل المناعية هذه إلى مجموعة من العلامات الجسدية المزعجة، حيث يبدأ المصاب غالبًا يومه بنوبات متتالية من العطس، يصاحبها شعور بانسداد الممرات الهوائية أو سيلان مائي مستمر. ولا يتوقف الأمر عند الأنف فحسب، بل قد يمتد الشعور بالحكة ليشمل الحلق والعينين اللتين قد تدمعان وتحمران بشكل ملحوظ. في بعض الأحيان، يتطور الأمر ليشمل سعالاً جافاً، وشعوراً بثقل عام في الرأس أو صداع، وقد يصل التأثير إلى تراجع مؤقت في حاسة الشم، مما يؤثر على جودة الحياة اليومية للمصاب سواء كان كبيراً أو طفلاً.
للتعامل مع هذه الحالة والحد من وطأتها، يرتكز النهج العلاجي بشكل أساسي على مبدأ الوقاية وتجنب المحفزات. يُنصح دائمًا بالحفاظ على نظافة المحيط المنزلي وتهويته باستمرار لطرد المثيرات العالقة، مع ضرورة ارتداء أقنعة واقية عند التواجد في أجواء متربة. كما يعد تنظيف الأنف بانتظام باستخدام المحاليل الملحية وسيلة فعالة لإزالة العوالق وتخفيف الاحتقان. ومن الناحية الدوائية، قد يصف الأطباء مضادات الهيستامين أو بخاخات الستيرويد الموضعية للسيطرة على الالتهاب وتقليل حدة الأعراض، شريطة استخدامها وفق التوجيهات الطبية الصحيحة.
في الختام، لا ينبغي تجاهل الحالة إذا خرجت عن السيطرة؛ فاستمرار الأعراض لفترات طويلة دون استجابة للعلاجات المنزلية، أو تسببها في اضطرابات النوم وصعوبة التنفس، يستدعي استشارة طبية عاجلة. كذلك، فإن شعور المريض بآلام حادة في الوجه أو صداع لا يهدأ، أو ملاحظة تكرار السعال الليلي لدى الأطفال، كلها مؤشرات تتطلب تقييمًا متخصصًا لوضع خطة علاجية تمنع تفاقم الوضع الصحي.