يعتبر ارتفاع الكوليسترول في الدم عدواً خفياً يتربص بصحة الإنسان، حيث يصفه خبراء الصحة بأنه تهديد صامت يتنامى ببطء على مدى سنوات دون أن يطلق أي إشارات تحذيرية واضحة، مما قد يسفر في النهاية عن مضاعفات جسيمة مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية، وربما يصل الأمر إلى تدهور القدرات الإدراكية. وفي هذا السياق، يشير أحد المتخصصين في الطب الوقائي وتغيير السلوكيات، والذي تحول مساره المهني من العمل داخل أروقة المستشفيات الحكومية إلى التركيز على التوعية الصحية، إلى أن قاعات الرعاية الطبية تكتظ بكبار السن الذين يعانون من أمراض كان بالإمكان تلافيها لو تم تبني عادات صحية سليمة في مراحل عمرية أبكر.

ورغم أن الكوليسترول بحد ذاته مادة حيوية يحتاجها الجسم لإنتاج الهرمونات، وفيتامين د، وترميم الخلايا، إلا أن الخطر يكمن في اختلال التوازن بين نوعيه؛ فعندما يرتفع مستوى النوع الضار، يبدأ بالترسب داخل الشرايين معيقاً تدفق الدم، بينما يتولى النوع الجيد مهمة كنس هذه الدهون ونقلها للكبد للتخلص منها. لذا، فإن انخفاض النوع المفيد أو زيادة الضار يضع القلب في دائرة الخطر المباشر. وعلى الرغم من انتشار استخدام العقاقير الطبية لضبط هذه المعدلات، إلا أن الاعتماد عليها وحدها قد لا يكون كافياً، حيث تشير البيانات إلى أن قسماً كبيراً من المرضى لا يصلون إلى النتائج المرجوة حتى مع الالتزام بالدواء، فضلاً عن الآثار الجانبية المحتملة، مما يجعل تعديل نمط الحياة ضرورة ملحة وليست خياراً تكميلياً.

ويرتكز التغيير الفعال على تبني عقلية مرنة تبتعد عن السعي للكمال أو الحرمان القاسي، والتركيز بدلاً من ذلك على الاستمرارية والتدرج. ومن الناحية الغذائية، ينصح الخبراء بالتحول نحو الأطعمة الغنية بالألياف القابلة للذوبان، مثل الشوفان الذي أثبت قدرته على خفض الدهون الضارة، والعدس والبقوليات، بالإضافة إلى دمج الأسماك الدهنية الغنية بأحماض أوميغا 3 والدهون الصحية كزيت الزيتون والمكسرات في النظام الغذائي، مع التقليل من الأطعمة المعالجة واللحوم الحمراء.

ولا تقتصر صحة القلب على الغذاء والدواء فحسب، بل تمتد لتشمل إدارة الضغوط النفسية وجودة النوم؛ فالإجهاد المزمن يدفع نحو خيارات غذائية سيئة، وقلة النوم تربك التوازن الهرموني وتخفض الكوليسترول النافع. وتكتمل دائرة الوقاية بالنشاط البدني المنتظم، إذ لا يشترط القيام بتمارين شاقة، بل يكفي الالتزام بنشاط معتدل كالمشي السريع لعدة دقائق أسبوعياً، مع بعض تمارين المقاومة، لتحسين الدورة الدموية وتعزيز التمثيل الغذائي وحماية الشرايين.