وسط بحر من الحميات الغذائية المتنوعة والأنظمة الصارمة، يقف الكثيرون حائرين أمام لغز ثبات الوزن رغم انضباطهم الشديد وحرمانهم لأنفسهم من أصناف عديدة. يبدو أن الإجابة عن هذا اللغز لا تكمن فقط في مكونات الطبق أو كمية السعرات الحرارية، بل تتجاوز ذلك إلى التوقيت الذي نتناول فيه طعامنا، وهو ما سلطت عليه الأضواء أحدث الأبحاث العلمية في مجال التغذية.

تشير الأدلة المتزايدة إلى أن تأخير وجبات الطعام إلى ساعات الليل المتأخرة قد ينسف جهود التنحيف تمامًا، حتى وإن كان الشخص يلتزم بحمية قليلة السعرات. يعود السبب الجوهري في ذلك إلى تعارض الأكل المتأخر مع الساعة البيولوجية للجسم، التي تضبط إيقاع العمليات الحيوية والهرمونات المسؤولة عن الشعور بالجوع والشبع. فعندما نأكل في وقت ينبغي أن يرتاح فيه الجهاز الهضمي، تضطرب عمليات التمثيل الغذائي، وتتأثر مستويات السكر والأنسولين سلبًا، مما يمهد الطريق لتخزين الدهون بدلاً من حرقها.

وقد دعمت مراجعات بحثية وتحليلات واسعة شملت آلاف المشاركين هذه الفرضية، مؤكدة أن حصر تناول الطعام في ساعات النهار، أو ما يُعرف بتقييد الوقت، يؤتي ثمارًا أفضل بكثير في إنقاص الوزن مقارنة بالأنماط التقليدية التي تسمح بالأكل طوال اليوم. وتبين أن الأشخاص الذين يستهلكون الجزء الأكبر من سعراتهم الحرارية في النصف الأول من اليوم يتمتعون بقدرة أكبر على التخلص من الوزن الزائد، بينما أظهرت دراسات أخرى أن تناول الوجبات بعد الساعة التاسعة مساءً يرتبط بارتفاع ملحوظ في مخاطر الإصابة بالسمنة، نظرًا لتدني كفاءة الجسم في تحويل الغذاء إلى طاقة وحرقه كوقود خلال ساعات الليل.

تفسير ذلك يكمن في أن أجسادنا مبرمجة بيولوجيًا لتعمل وفق دورات محددة تتحكم في حرق الدهون واستجابة الخلايا للأنسولين، وهي وظائف تبلغ ذروتها نهارًا وتخبو ليلاً. بناءً على ذلك، يوصي خبراء الصحة بضرورة إعادة ضبط مواعيد المائدة، بحيث يتم تقديم الوجبات الرئيسية إلى فترات النهار المبكرة، مع الحرص على التوقف عن الأكل قبل النوم بفترة كافية، والالتزام بروتين غذائي ثابت ومنتظم؛ فالمسألة ليست مجرد حساب أرقام وسعرات، بل هي تناغم ذكي بين توقيت الغذاء وإيقاع الطبيعة داخل أجسامنا.