كشفت أبحاث علمية حديثة عن زوايا جديدة ومثيرة للقلق فيما يتعلق بالعلاقة بين الأنظمة الغذائية الحديثة وصحة الرئتين، حيث تبين أن الإفراط في تناول الأطعمة التي تخضع لعمليات معالجة صناعية مكثفة قد يرتبط بشكل وثيق بارتفاع احتمالية الإصابة بأورام الرئة الخبيثة. وتشير البيانات إلى أن هذا الخطر يظل قائمًا وملحوظًا حتى عند تحييد العوامل التقليدية الأخرى مثل التدخين أو جودة النظام الغذائي بمفهومه العام، مما يسلط الضوء على ضرورة إعادة النظر في مكونات مائدتنا اليومية وتأثيراتها الصحية بعيدة المدى.

واستندت هذه النتائج المثيرة للاهتمام إلى تحليل دقيق وموسع شمل أكثر من مائة ألف شخص بالغ في الولايات المتحدة، تمت متابعة حالتهم الصحية على مدار اثني عشر عامًا. وخلال تلك الفترة الزمنية الطويلة، رصد الباحثون ظهور أكثر من 1700 حالة إصابة بسرطان الرئة، مما دفعهم للغوص في تفاصيل الأنماط الغذائية للمشاركين. وقد خلصت الدراسة إلى أن الأفراد الذين يعتمدون بشكل كبير على هذه المنتجات الصناعية في غذائهم يواجهون زيادة في خطر الإصابة بالمرض بنسبة تصل إلى 41% مقارنة بغيرهم، وهي نسبة ظلت ثابتة حتى بعد الأخذ في الاعتبار المتغيرات الأخرى كنمط الحياة والنشاط البدني.

وعند الحديث عن طبيعة هذه الأغذية المقصودة، فنحن لا نشير هنا إلى عمليات الطهي البسيطة، بل إلى تلك المنتجات التي خضعت لتدخلات صناعية معقدة، وتتكون في الغالب من مكونات مكررة ومضافات كيميائية مثل المواد الحافظة، والملونات، ومحسنات النكهة، بحيث تفقد صلتها بمصدرها الغذائي الطبيعي. وتندرج تحت هذه الفئة قائمة طويلة تشمل المشروبات الغازية المحلاة، والرقائق المعبأة، والمعجنات المنتجة آليًا، والوجبات السريعة التحضير، واللحوم المصنعة، وهي أصناف باتت تشكل جزءًا ضخمًا من السعرات الحرارية اليومية في العديد من المجتمعات الغربية نظرًا لسهولة استهلاكها وتوفرها، رغم أضرارها الكامنة.

وقد أظهرت البيانات المنشورة في دورية “ثوراكس” الطبية أن الخطر المرتبط بهذه الأغذية لا يقتصر على نوع واحد من الأورام، بل يمتد ليشمل النوعين الرئيسيين لسرطان الرئة؛ فقد لوحظ ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الخلايا غير الصغيرة بنسبة 37% لدى المستهلكين بكثافة لهذه الأطعمة، بينما قفزت النسبة إلى 44% فيما يخص سرطان الخلايا الصغيرة. وما يضفي مصداقية أكبر على هذه الاستنتاجات هو حرص الفريق البحثي على عزل تأثيرات عوامل أخرى مؤثرة مثل التدخين والوزن، ليتبين أن الأغذية فائقة المعالجة تمثل عامل خطر مستقلاً بحد ذاته.

ورغم أن التدخين لا يزال يتربع على عرش المسببات الرئيسية لأمراض الرئة الخطيرة، فإن هذه المعطيات تفتح الباب أمام فهم أوسع لدور التغذية في الوقاية أو الإصابة. وقد أكد القائمون على الدراسة أن إثبات العلاقة السببية بشكل قاطع لا يزال بحاجة إلى مزيد من الأبحاث المستفيضة في بيئات سكانية متنوعة، إلا أنهم أشاروا في الوقت ذاته إلى أن تقليل الاعتماد العالمي على هذه الأطعمة المصنعة قد يكون استراتيجية فعالة للمساهمة في خفض معدلات الإصابة بهذا المرض مستقبلاً.