تكتسي الأجواء سحراً خاصاً مع اقتراب موسم الأعياد، حيث تتربع تلك الشجرة الخضراء المتلألئة على عرش الاحتفالات، خاطفةً الأنظار في المنازل والساحات العامة حول العالم. وخلف هذا المظهر البراق المزين بالأضواء والقطع اللامعة، يكمن تاريخ طويل ومثير يمتد جذوره إلى حقب زمنية غابرة تسبق حتى المسيحية، إذ كانت الشعوب والحضارات القديمة ترى في النباتات دائمة الخضرة رمزاً للصمود في وجه قسوة الشتاء، ودليلاً حياً على انتصار الحياة وتجددها، كما ساد اعتقاد قديم بأن هذه الأشجار تمتلك طاقة وقائية تحصن البيوت وتجلب البركة.
وبمرور الزمن، انصهرت هذه الموروثات القديمة مع التقاليد الدينية، لتكتسب الشجرة هوية جديدة؛ حيث تشير الروايات التاريخية إلى دور شخصيات بارزة مثل القديس بونيفاس الذي وظف شكل الشجرة لتوضيح مفاهيم عقائدية، بينما يُعزى إلى مارتن لوثر في ألمانيا ابتكار فكرة إضاءة الشجرة بالشموع لمحاكاة بريق النجوم في السماء ليلة الميلاد، مما أضفى عليها بعداً روحانياً وجمالياً فريداً. ولم تبقَ هذه العادة حبيسة حدودها الجغرافية الأولى، بل انطلقت لتصبح ظاهرة عالمية، خاصة بعد أن تبنتها العائلة المالكة في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر، مما ساهم في نشرها كتقليد اجتماعي محبب انتقل بسرعة إلى الولايات المتحدة وبقية القارات.
ولا يقتصر جمال الشجرة على زينتها الظاهرية فحسب، بل يحمل كل تفصيل فيها دلالة رمزية عميقة تتوارثها الأجيال؛ فاللون الأخضر الدائم يجسد الأمل والخلود، وشكلها الهندسي يرتبط بالمعتقدات اللاهوتية، بينما تتربع النجمة في القمة لتذكّر بالقصص الدينية المرتبطة بميلاد المسيح. وحتى الزخارف المعلقة لم توضع عبثاً، فقد كانت الثمار قديماً ترمز إلى قصص البدء والخليقة، وتحولت مع تطور الزمن إلى كرات زاهية وأجراس تعكس البهجة وتبشر بالأخبار السعيدة، لتصبح الشجرة اليوم أيقونة عالمية للمودة ولمّ الشمل العائلي، ومقصداً سياحياً تتنافس المدن الكبرى في تزيينه بأحدث التقنيات.
التعليقات