يمثل الكبد خط الدفاع الأول عن صحة الإنسان، حيث يتولى مهام حيوية مثل تخليص الدم من الشوائب وتنظيم الدهون، إلا أنه يواجه تحديات يومية هائلة نتيجة لأنماطنا الغذائية التي قد نفتقر فيها إلى الوعي الكافي. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن بعض المأكولات التي نعتاد عليها وتُعد جزءًا أساسيًا من يومنا، قد تتسبب في تدمير خلايا هذا العضو الهام ببطء شديد، ودون أن تظهر أي علامات فورية تدق ناقوس الخطر، مما يؤخر اكتشاف الأزمة الصحية.
ويشدد المختصون في مجال التغذية والصحة العامة على ضرورة الحذر من الإفراط في تناول الوجبات الجاهزة والمقليات، لا سيما تلك المشبعة بالدهون المتحولة أو الزيوت التي يُعاد استخدامها مرارًا. وتشمل القائمة المحظورة البطاطس المقلية التجارية والمخبوزات المصنعة، حيث يؤدي استهلاكها المستمر إلى تراكم الشحوم داخل أنسجة الكبد، وهي الحالة التي تُعرف بـ “الكبد الدهني”. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو الطبيعة الصامتة لأمراض الكبد، فهذا العضو يمتلك قدرة عالية على التحمل والتكيف، ما يجعل المريض لا يشعر بأي ألم في المراحل الأولية، بينما تستمر السموم والدهون في التكدس داخليًا حتى تظهر المضاعفات فجأة.
ورغم غياب الألم المباشر، فإن الجسد قد يرسل إشارات استغاثة مبكرة تتطلب الانتباه، مثل الشعور المستمر بالإجهاد والكسل دون سبب واضح، أو المعانات من اضطرابات هضمية كالانتفاخ والغازات والشعور بثقل المعدة بعد تناول الطعام. وفي مراحل أكثر تقدمًا، قد يلاحظ المريض تغيرًا في لون البشرة أو العينين، بالإضافة إلى فقدان الرغبة في الطعام والميل للغثيان. يحدث كل ذلك لأن استهلاك السكريات والدهون الضارة يضع الكبد تحت ضغط تشغيلي هائل يفوق طاقته، مما يؤدي بمرور الوقت إلى ضعف كفاءته وارتفاع إنزيماته، ويهيئ البيئة لحدوث الالتهابات أو التليف.
وتكون بعض الفئات أكثر عرضة لهذا الضرر من غيرها، وعلى رأسهم المصابون بالسمنة أو مرض السكري، وكذلك الأشخاص الذين يميلون للخمول البدني ويعتمدون بشكل أساسي على الوجبات السريعة. ولضمان سلامة الكبد والوقاية من هذه المخاطر، يُنصح بإجراء تعديلات جوهرية على نمط الحياة، تبدأ بتقليل الأطعمة المصنعة والعودة إلى الطهي المنزلي باستخدام مكونات صحية، مع الإكثار من الخضروات والفواكه وشرب الماء بكميات وفيرة، والحرص على ممارسة الرياضة. وفي حال استمرار أي أعراض غامضة تتعلق بالهضم أو الطاقة العامة للجسم، يصبح اللجوء للفحوصات الطبية والتحاليل المخبرية خطوة ضرورية للاطمئنان وتدارك أي مشكلة قبل تفاقمها.
التعليقات