تشير أحدث الاكتشافات العلمية إلى أن لغة الجسد لدى الأطفال، وتحديداً النمط الحركي والهيكلي لمنطقة أسفل الظهر، قد تقدم مؤشرات حيوية غير متوقعة للكشف المبكر عن اضطرابات نمائية عصبية، مثل طيف التوحد وفرط الحركة وتشتت الانتباه. فقد لاحظ الباحثون أن طريقة مشي الطفل ووقوفه لا تعكس مجرد عادات حركية، بل قد تكون ترجمة جسدية لما يدور داخل جهازه العصبي.

ويظهر ذلك جلياً من خلال وضعية وقوف معينة يشيع رصدها لدى الأطفال دون سن العاشرة، حيث يميل الحوض إلى الأمام بصورة لافتة، مما يعطي انطباعاً ببروز المؤخرة بشكل أكبر من حجمها الطبيعي، وهو ما يشبه في هيئته “مشية البط”. وقد بيّنت التحليلات الدقيقة أن الأطفال المصابين بالتوحد يسجلون زيادة في زاوية انحناء الحوض بنحو خمس درجات مقارنة بأقرانهم، مما يضطر الجسم لمحاولة تعديل توازنه بأساليب غير تقليدية أثناء الحركة.

ويرجع الخبراء هذا النمط إلى جملة من السلوكيات المصاحبة للاضطراب، كالمشي المستمر على رؤوس الأصابع أو الجلوس بوضعية ثابتة لفترات طويلة، مما يؤدي إلى تيبس في عضلات الفخذ والورك. وتتضافر هذه العوامل العضلية مع أسباب عصبية أعمق تتعلق بمدى نضج مناطق معينة في الدماغ مسؤولة عن التنسيق الحركي، مثل المخيخ والعقد القاعدية، حيث ينعكس أداؤها المختلف مباشرة على توازن الطفل وسلاسة حركته.

وقد دعمت الأبحاث الدولية، لا سيما تلك القادمة من اليابان وإيطاليا، هذه الملاحظات باستخدام تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد، حيث رصدت الفروقات بوضوح لدى الأطفال في سن المدرسة الابتدائية. وتبين أن زاوية ميل الحوض تزداد حدة لحظة ملامسة القدم للأرض، مع ضعف ملحوظ في مرونة مفصل الكاحل، وهي سمات حركية وجد الباحثون أنها ترتبط طردياً مع شدة أعراض التوحد؛ فكلما زاد الاضطراب الحركي، كانت الأعراض السلوكية أكثر وضوحاً.

ولا تتوقف التأثيرات عند الشكل الخارجي للمشية، بل قد تمتد لتسبب مشكلات صحية ملموسة مثل آلام الظهر والركبتين وصعوبة في أداء الأنشطة التي تتطلب خفة ورشاقة. ورغم تأكيد العلماء أن هذه الوضعية ليست سبباً للإصابة بالتوحد بل هي عرض ناتج عنه، إلا أن رصدها المبكر يفتح باباً واسعاً لتقديم الدعم عبر العلاج الطبيعي وتصحيح القوام.

ومن المثير للاهتمام أن هذه السمات الجسدية لا تقتصر على التوحد فحسب، بل تمتد لتشمل الأطفال المشخصين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، خصوصاً الذكور منهم، حيث ارتبطت زيادة انحناء الحوض لديهم بمستويات الاندفاع والنشاط الزائد. وبالنظر إلى الإحصائيات التي تشير إلى تداخل كبير بين الحالتين، فإن مراقبة قوام الطفل قد تصبح أداة مساعدة هامة للأهل والمختصين في رحلة التشخيص والعلاج.