تمارس الغالبية العظمى منا طقوساً يومية اعتيادية دون أن تدرك أن هذه السلوكيات قد تكون معاول هدم صامتة لقدراتنا العقلية، مما يمهد الطريق للإصابة بأمراض الذاكرة والزهايمر مع تقدم العمر، وهو ما سلط الضوء عليه الدكتور رودولف تانزي، الخبير البارز في أبحاث الوراثة والشيخوخة بمستشفى ماساتشوستس العام، حيث كشف عن مجموعة من الأنماط الحياتية التي تساهم في تآكل صحة الدماغ ببطء.
يأتي الركود البدني والبقاء في وضعية الجلوس لفترات مديدة في مقدمة هذه المخاطر، إذ يقضي الإنسان قسطاً كبيراً من يومه خاملاً، وهو ما أثبتت الدراسات العلمية تأثيره المباشر على “الفص الصدغي الإنسي”، تلك المنطقة الدماغية الحيوية المسؤولة عن تشكيل الذكريات الجديدة؛ فقد أظهرت الفحوصات الطبية الدقيقة وجود علاقة وثيقة بين ساعات الجلوس الطويلة وبين ترقق هذه المنطقة الحساسة، مما ينذر بتراجع القدرات المعرفية، ولتجنب ذلك، يكمن الحل في كسر حاجز الجمود الحركي كل نصف ساعة تقريباً، واستغلال أي فرصة للقيام بنشاط بسيط، سواء كان ذلك عبر التجول في أرجاء المنزل، أو أداء تمارين خفيفة تعتمد على وزن الجسم، أو حتى المشي السريع في المحيط القريب.
وعلى صعيد الصحة النفسية والاجتماعية، تمثل العزلة عاملاً خطيراً يهدد سلامة المخ، حيث يؤدي الانكفاء على الذات إلى انكماش المادة الرمادية المسؤولة عن معالجة المعلومات، فضلاً عن زيادة احتمالات الاكتئاب، ورغم الصعوبات التي فرضتها الظروف العالمية مؤخراً في التواصل، إلا أن العبرة ليست في كثرة المحيطين، بل في عمق العلاقات؛ إذ يكفي وجود دائرة ضيقة جداً من الأشخاص المقربين لتبادل الأحاديث والهموم بانتظام، سواء عبر اللقاءات الواقعية أو الوسائل الرقمية، لضمان تحفيز الذهن والحفاظ على حيويته.
وفي سياق متصل، يعد الحرمان من النوم الكافي عدواً لدوداً للوظائف الإدراكية، فعدم الحصول على قسط وافر من الراحة الليلية يؤدي بشكل مباشر إلى تدهور مهارات التفكير المنطقي وحل المشكلات؛ لذا فإن الاستراتيجية الأمثل لا تكمن في إجبار النفس على النوم، بل في توسيع النافذة الزمنية المخصصة للراحة من خلال الذهاب للفراش أبكر من المعتاد بساعة، مع ضرورة الابتعاد عن الشاشات الرقمية في حال الاستيقاظ ليلاً، واستبدالها بأنشطة هادئة كالقراءة لتهيئة العقل للاسترخاء مجدداً.
أخيراً، يلعب الضغط العصبي المزمن دوراً مدمراً في ضمور قشرة الفص الجبهي، وغالباً ما ينبع هذا التوتر، خاصة لدى كبار السن، من التمسك بضرورة سير الأمور وفق توقعات محددة وصارمة؛ مما يولد ردود فعل سلبية عند مواجهة أي تغيير، ويكمن العلاج هنا في تدريب النفس على المرونة وتقبل الخيارات البديلة، واستخدام تقنيات التنفس العميق وطمأنة الذات للسيطرة على نوبات القلق قبل تفاقمها، للحفاظ على سلامة الخلايا الدماغية من التلف.
التعليقات