غالبًا ما نتبع في حياتنا اليومية روتينًا ثابتًا نثق بجدواه الصحية، ونعتقد أننا نقدم لأجسادنا الأفضل، إلا أن الحقيقة الطبية قد تكون مغايرة تمامًا، فكثير من التصرفات التي نمارسها بحسن نية قد تحمل في طياتها أضرارًا خفية تتراكم بمرور الوقت. وفي هذا السياق، تشير الآراء الطبية المتخصصة في أمراض الباطنة والغدد إلى ضرورة إعادة النظر في مسلمات نعتبرها صحية، حيث تبين أن قلة الوعي بآثارها العكسية قد تقودنا إلى مشكلات صحية نحن في غنى عنها.
من أبرز هذه المغالطات ما يتعلق بنظامنا الغذائي؛ فعلى سبيل المثال، يقع الكثيرون في فخ “العصائر الطبيعية”، متجاهلين أن عملية العصر تجرد الفاكهة من أليافها المفيدة، مما يحول الكوب إلى جرعة مركزة من السكر تؤدي لرفع مستويات الأنسولين بشكل مفاجئ، وهو ما يمهد الطريق لزيادة الوزن ومقاومة الجسم للإنسولين. الأمر نفسه ينطبق على المنتجات التي تحمل شعار “دايت” أو “لايت”، إذ غالبًا ما تعتمد على مُحليات وبدائل صناعية تضر بتوازن البكتيريا المعوية وتحفز الشهية للسكريات بدلاً من كبحها. كما أن الاعتماد المفرط على الزيوت النباتية التقليدية وتعريضها للحرارة العالية قد يكون محفزًا للالتهابات الجسدية، مما يجعل البحث عن بدائل أكثر أمانًا وتوازنًا كزيت الزيتون ضرورة لصحة القلب والشرايين.
وعلى صعيد تنظيم الوجبات والمنبهات، يعتقد البعض أن تجاهل وجبة الصباح قد يساهم في التنحيف، إلا أن رد فعل الجسم البيولوجي يكون عكسيًا عبر اضطراب الهرمونات وزيادة الشراهة لتناول الطعام في الساعات المتأخرة من اليوم. وبالتوازي مع ذلك، يتحول المشروب الصباحي المفضل للملايين -القهوة- من وسيلة للنشاط إلى مصدر للتوتر والأرق وتسارع دقات القلب عند تجاوز الحد المعتدل، ناهيك عن دور الإفراط في الكافيين في إعاقة الجسم عن امتصاص معادن حيوية كالحديد والكالسيوم بشكل سليم.
أخيراً، لا تقتصر العادات الخاطئة على ما نأكله فحسب، بل تمتد لنمط الحركة والراحة؛ فالسمر لساعات طويلة أمام الشاشات أو الجلوس المستمر -حتى لمن يمارسون الرياضة بشكل متقطع- يعد عدوًا صامتًا يهدد سلامة العمود الفقري، ويعيق الدورة الدموية، ويزيد من مخاطر السمنة. وتكتمل منظومة الأضرار عند إهمال الجسم لحقه في النوم، حيث يؤدي الحرمان من الراحة الكافية إلى تراجع كفاءة الجهاز المناعي، وتشتت الذهن، فضلاً عن إبطاء عمليات الأيض وزيادة هرمونات الجوع، مما يجعل الحفاظ على الوزن المثالي أو خسارة الدهون أمرًا بالغ الصعوبة.
التعليقات