غالباً ما يسود اعتقاد بأن زيادة ساعات النوم تعني بالضرورة صحة أفضل، إلا أن رؤية علمية جديدة قدمها باحثون من جامعة فليندرز الأسترالية تشير إلى معادلة مختلفة تعتمد على التوازن الدقيق بين الراحة والحركة؛ فقد تبين أن الإفراط في النوم قد لا يخدم الصحة العامة، بل إن ضبط ساعات الاستراحة الليلية ضمن نطاق محدد يلعب دوراً جوهرياً في تعزيز النشاط البدني خلال النهار، مما يشكل حائط صد ضد الأمراض المزمنة ويقلل من احتمالات الوفاة المبكرة.
وقد أظهرت التحليلات التي اعتمدت على بيانات واسعة النطاق وجود علاقة وثيقة بين مدة النوم ومستوى الطاقة في اليوم التالي، حيث لوحظ أن الأشخاص الذين يكتفون بنوم يتراوح بين ست وسبع ساعات ليلاً هم الأكثر نشاطاً وحركة؛ إذ بينت الأرقام أن من ينامون لست ساعات فقط يتفوقون في نشاطهم البدني بنحو 340 خطوة إضافية مقارنة بمن ينامون لثماني ساعات، بينما سجل من ينامون سبع ساعات زيادة تقدر بـ 237 خطوة، مما يبرز أن تجاوز حاجز الثماني ساعات قد يؤدي لنتائج عكسية تتسم بقلة الحركة.
واستندت هذه النتائج إلى متابعة دقيقة استمرت لثلاث سنوات ونصف، شملت أكثر من سبعين ألف شخص من مختلف أنحاء العالم، تم خلالها رصد أنماط حياتهم باستخدام أجهزة تقنية قابلة للارتداء لقياس الخطوات وفترات النوم، وقد كشفت البيانات عن منحنى واضح للأداء، حيث ينخفض النشاط البدني في الحالتين المتطرفتين: عند قلة النوم الشديدة (أقل من ست ساعات) أو عند الإفراط فيه (أكثر من ثماني ساعات)، ليظل النطاق الأوسط هو الأكثر فاعلية لتحفيز الجسم على الحركة.
تكمن أهمية هذه المؤشرات في الارتباط الوثيق بين الخمول واضطرابات النوم من جهة، وبين قائمة طويلة من المخاطر الصحية من جهة أخرى، تشمل أمراض القلب والسكري والسمنة والاكتئاب، وصولاً إلى ارتفاع معدلات الوفاة؛ والمثير للاهتمام أن رداءة النوم تشكل عائقاً أمام ممارسة الرياضة بشكل أكبر من تأثير الرياضة نفسها على جودة النوم، مما يجعل تحسين عادات النوم خطوة أولى ضرورية لنمط حياة نشط.
وبرغم هذه الحقائق، فإن الواقع يبدو أقل تفاؤلاً، إذ أظهرت الإحصائيات أن فئة محدودة جداً لا تتجاوز 13% تقريباً هي التي تنجح في الجمع بين النوم الصحي (من 7 إلى 9 ساعات) والمشي لمسافة جيدة يومياً (8 آلاف خطوة)، في حين تقع نسبة أكبر في دائرة الخطر بنمط حياة يتسم بالخمول وقلة النوم، ويزداد الأمر صعوبة لدى فئات معينة، مثل كبار السن ومن يعانون من السمنة المفرطة، حيث تنخفض قدرتهم على تحقيق معدلات مشي مرتفعة.
وفي الختام، شدد القائمون على البحث على ضرورة عدم تفسير هذه النتائج كدعوة لتقليص ساعات النوم بشكل متعمد، بل هي تنبيه للفجوة الكبيرة بين التوصيات الصحية المثالية وبين ما يطبقه الناس فعلياً في حياتهم اليومية، مع الأخذ في الاعتبار أن الدراسة ركزت على المشي ولم تشمل أنشطة أخرى كالسباحة، كما أنها أجريت على عينة تميل للاهتمام بالصحة أكثر من غيرها.
التعليقات