تحل ذكرى غياب صوت “العود” الشجي، الذي ودع دنيانا في السادس والعشرين من ديسمبر عام 1974، حين توقف قلب الموسيقار الكبير عن الخفقان في أحد مستشفيات بيروت، مسدلاً الستار على رحلة فنية ثرية حفرت اسمها بحروف من نور في تاريخ الطرب العربي. لم يكن الراحل مجرد مطرب مبدع، بل كان شخصية متعددة الاهتمامات، تنقلت بين هوايات شتى؛ إذ انخرط لفترة في عالم سباقات الخيول، لكنه آثر الابتعاد عنها بعد تكبده خسائر مادية فادحة، ليصب اهتمامه لاحقاً على اقتناء النوادر من الآلات الموسيقية، محتفظاً بمجموعة فريدة من الأعواد، يعود تاريخ بعضها إلى زمن الفنان عبده الحامولي.
وعلى الجانب الآخر من حياته الخاصة، كان العشق الجارف للقلعة البيضاء يسيطر على وجدان الموسيقار الراحل، لدرجة أن الأطباء نصحوه مراراً بالابتعاد عن متابعة المباريات حرصاً على سلامة قلبه من الانفعال الزائد. ولم يقتصر هذا الحب على التشجيع الحماسي فحسب، بل ترجمه إلى مواقف عملية خالدة؛ ففي ربيع عام 1966، وحينما كان نادي الزمالك يمر بمنعطف مالي حرج يهدد استقراره، بادر الفنان الكبير بزيارة مقر النادي والاجتماع بمديره آنذاك اللواء حسين لبيب، معلناً عن مبادرة إنقاذ عاجلة. وقد تبرع بإحياء حفل غنائي ضخم داخل خيمة شُيدت خصيصاً في ملعب الكرة، متنازلاً هو وفرقته عن أجورهم بالكامل، ليسهم هذا الحدث في ضخ مبلغ ضخم حينها قُدر بمائة ألف جنيه، مما انتشل النادي من عثرته وأنقذه من شبح الإفلاس.
امتدت أيادي “ملك العود” البيضاء لتشمل اللاعبين أيضاً، حيث كانت الهدايا وسيلة لدعمهم في ظل شح الموارد المالية للنادي في تلك الحقبة. وفي هذا السياق، يستذكر الكابتن فاروق جعفر بداياته، مشيراً إلى أن النادي الاجتماعي كان ملتقى لنجوم الفن والرياضة، ومؤكداً أن أول مبلغ مالي كبير تحصل عليه في حياته، وقدره مائة جنيه، كان هدية شخصية من الموسيقار الراحل عام 1971. كانت تلك اللفتات الكريمة تعويضاً معنوياً ومادياً للاعبين، وتجسيداً حقيقياً لروح الوفاء التي حملها الفنان الكبير تجاه الكيان الذي أحبه بصدق حتى آخر أيام حياته.
التعليقات