تُعد الرغبة الطبيعية في تناول الطعام ركيزة أساسية للحفاظ على الحيوية والنشاط الذهني والنمو السليم، وعندما تتراجع هذه الرغبة، فإن ذلك ينعكس سلبًا على صحة الفرد العامة ولياقته. وتتنوع العوامل المؤدية إلى هذا العزوف عن الطعام، حيث تلعب التغيرات الفسيولوجية دورًا محوريًا في كبح إشارات الجوع؛ فتعرض الجسم لحالات الجفاف أو الألم الجسدي العام، أو حتى مشاكل الفم والأسنان، قد يجعل تجربة الأكل غير مستساغة. يُضاف إلى ذلك أن مرحلة النقاهة بعد العمليات الجراحية، أو تراجع كفاءة حاستي الشم والتذوق، تُعتبر من المسببات المباشرة لعدم استساغة الطعام.

ولا يمكن إغفال الجانب النفسي وتأثيره العميق على الجهاز الهضمي، حيث ترتبط الشهية ارتباطًا وثيقًا بالحالة العاطفية للإنسان. فالمشاعر السلبية مثل التوتر المستمر والقلق، أو الدخول في نوبات اكتئاب، غالبًا ما تؤدي إلى انسداد الشهية. كذلك، فإن التعرض لصدمات عاطفية قوية كالحزن الشديد أو الخوف، فضلًا عن وجود اضطرابات نفسية تتعلق بنظرة الشخص للطعام، كلها عوامل تساهم في فقدان الرغبة في الأكل.

علاوة على ذلك، قد يكون فقدان الشهية عرضًا جانبيًا لوجود خلل صحي أو مرض كامن في الجسم. وتتفاوت هذه الحالات بين وعكات عابرة مثل نزلات البرد والعدوى البكتيرية أو التسمم الغذائي، وبين أمراض مزمنة وأكثر تعقيدًا مثل السكري وقصور الغدة الدرقية. كما أن الأمراض التي تصيب الأعضاء الحيوية كالقلب، والكلى، والكبد، والرئتين تؤثر بشكل مباشر على رغبة المريض في الغذاء، ناهيك عن حالات صحية أخرى مثل السرطان، والخرف، والأمراض الفيروسية التي تهاجم المناعة.

وفي سياق متصل، قد تأتي مشكلة فقدان الشهية كنتيجة عكسية لاستخدام بعض العلاجات الطبية؛ إذ إن العديد من الأدوية والمكملات الغذائية تتضمن آثارًا جانبية تشمل تقليل الرغبة في الطعام. ومن أبرز هذه المجموعات الدوائية: المضادات الحيوية، والعلاجات الكيماوية المستخدمة في علاج الأورام، بالإضافة إلى المسكنات الأفيونية. كما يمتد هذا التأثير ليشمل بعض أدوية القلب، ومضادات الاكتئاب، والمنشطات، مما يجعل التاريخ الدوائي جزءًا مهمًا في فهم أسباب هذه الحالة.