ما زالت ذاكرة الكرة المصرية تحتفظ بتفاصيل تلك الليلة الشتوية من عام 2008، حينما اهتزت أركان بطولة كأس مصر بزلزال كروي غير متوقع؛ ففي مشهد درامي نادر التكرار، تمكن فريق مغمور من الدرجة الثالثة، وهو “بني عبيد”، من إقصاء العملاق الأبيض نادي الزمالك من دور الـ32، في مفاجأة مدوية قلبت الموازين، حيث جاءت الضربة القاضية قبل صافرة النهاية بعشر دقائق فقط عبر تسديدة اللاعب السيد المندوه، لتتحول تلك المباراة المقامة باستاد المنصورة إلى ذكرى مؤلمة لعشاق القلعة البيضاء، وعلامة مضيئة في تاريخ النادي الدقهلاوي الصغير.
تحول صاحب الهدف التاريخي بين ليلة وضحاها إلى نجم تتناقل وسائل الإعلام اسمه، رغم المفارقات الطريفة التي عاشها في محيطه الاجتماعي؛ فقد روى المندوه لاحقاً أن أصدقاءه المقربين، ومعظمهم من مشجعي الزمالك، مازحوه بالتهديد بمنعه من دخول بلدته، إلا أن فرحتهم الشخصية بإنجاز صديقهم تغلبت في النهاية على حزنهم لخسارة فريقهم المفضل، مؤكداً أنه رغم ميوله للنادي الأهلي وتشجيعه له دون تعصب، إلا أنه كان سيشعر بنفس النشوة والفخر لو كان هذا الهدف في شباك الفريق الأحمر، انطلاقاً من احترافيته ورغبته في تحقيق الذات.
وعلى الرغم من ضخامة الحدث، كانت المكافآت المالية تعكس بساطة واقع أندية الظل، حيث كشف بطل الموقعة أن مكافأة الفوز لم تتجاوز 2000 جنيه لكل لاعب، وهو مبلغ زهيد مقارنة بما رصده الزمالك للاعبيه في حال الفوز، وبطرافة وعفوية، أشار المندوه إلى أن تلك المكافأة تلاشت سريعاً في شراء مستلزمات البيت الأساسية من سلع غذائية ولحوم وملابس، خاصة أنه كان عريساً جديداً لم يمر على زواجه سوى ستة أشهر، ليفضل بعدها الابتعاد عن أضواء التحليل الرياضي والعمل في وظيفة إدارية هادئة بأحد المعامل المدرسية.
وفي كواليس تلك الملحمة، تبرز رواية الراحل هيرماس رضوان، رئيس النادي آنذاك، الذي استرجع ذكريات الصمود والتحدي، مشيراً إلى أن فريقه قدم أداءً جعل الفوارق الفنية تتلاشى داخل المستطيل الأخضر، وكشف عن تفاصيل مثيرة سبقت اللقاء، منها قرار نقل المباراة المفاجئ من ملعبهم إلى المنصورة قبل ساعات قليلة، وهو ما قابله اللاعبون بروح قتالية عالية، بل ووصلت ثقتهم إلى حد طلب مواجهة الزمالك في عقر داره بميت عقبة لإثبات جدارتهم، متعهدين بعدم الاكتفاء بالتمثيل المشرف بل السعي لتحقيق الانتصار.
ولعل أغرب ما في القصة هو تدخل القدر في صناعة هذا النجم؛ فقد اعترف رئيس النادي بأن السيد المندوه لم يكن ضمن الخطة الأساسية للمشاركة، حيث كان الجهاز الفني ينوي الدفع بلاعب ناشئ صغير السن بهدف تسويقه، إلا أن نسيان البطاقة الخاصة بهذا الناشئ حال دون مشاركته، ليتم الدفع بالمندوه كبديل اضطراري، فيكتب التاريخ اسمه بحروف من ذهب، وتظل تلك المباراة وتفاصيلها -بما فيها الاحتفال بذكراها- رسالة تقدير لجيل صنع المستحيل بإمكانيات بسيطة، وليست مجرد احتفال بخسارة المنافس.
التعليقات