تظل ملاعب كرة القدم مسرحاً لما هو أسمى من مجرد تسجيل الأهداف أو حصد الألقاب وسط ضجيج الجماهير؛ فهناك جانب آخر لا ترصده لغة الأرقام ولا يدخل ضمن الخطط الفنية للمدربين. إنها تلك المواقف العفوية التي تخاطب الوجدان مباشرة، لتثبت للجميع أن عظمة اللاعب لا تتوقف عند مهاراته الكروية فحسب، بل تمتد لتشمل نبله ومشاعره الصادقة التي تظهر في أوقات غير متوقعة تجاه من حوله.
وقد تجلى هذا المعنى بوضوح خلال منافسات بطولة أمم أفريقيا 2025، وتحديداً في مواجهة المنتخب المصري أمام نظيره الزيمبابوي. فقبل أن تبدأ المعركة الكروية، لفت محمد شحاتة الأنظار بموقف نبيل طغى حديثه على الأداء الفني؛ إذ لمح أثناء عمليات الإحماء أحد الفتية المسؤولين عن جمع الكرات وهو يرتجف من قسوة البرد خلف المرمى. ودون تردد، بادر اللاعب بخلع سترته الخاصة ومنحها للفتى لتدفئته، في مشهد تلقائي نال استحسان المتابعين وانتشر كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي، معبراً عن رقي الأخلاق داخل معسكر الفراعنة.
ولم يكن هذا المشهد هو الوحيد الذي أضفى طابعاً إنسانياً دافئاً على أجواء البطولة، فقد سطر نجوم المنتخب التونسي موقفاً مماثلاً قبيل انطلاق مشوارهم أمام أوغندا في الرباط، وهي المباراة التي شهدت تفوقهم بثلاثية. فبينما كانت الأمطار تنهمر بغزارة شديدة على أرضية الملعب الأولمبي أثناء اصطفاف الفريقين لعزف النشيد الوطني، لاحظ لاعبو “نسور قرطاج” أن الأطفال المرافقين لهم يقفون بلا حماية تحت وطأة المطر.
وفي رد فعل جماعي يعكس أرقى معاني الإيثار والمسؤولية، قام اللاعبون التونسيون بنزع معاطفهم المخصصة للوقاية من المطر وألبسوها للصغار لحمايتهم من المياه المنهمرة، في لقطة وثقتها الكاميرات وأعادت نشرها الحسابات الرسمية القارية، لتؤكد تلك المشاهد المتتالية أن العرس الأفريقي يتجاوز حدود التنافس الرياضي الشرس، ليصبح منصة لتصدير القيم الإنسانية ورسائل التراحم التي تمثل الجوهر الحقيقي للرياضة.
التعليقات