يحفظ تاريخ الكرة المصرية تاريخ الخامس والعشرين من ديسمبر عام 2010 كعلامة فارقة، إذ شهد تلك اللحظة التي أعلن فيها النجم محمد صلاح عن نفسه لأول مرة بقميص “ذئاب الجبل”؛ ففي مواجهة جمعت المقاولون العرب بالنادي الأهلي ضمن منافسات الدوري، استلم صلاح تمريرة بينية متقنة أرسلها زميله عبدالإله جلال من عمق الملعب، لينطلق “الفرعون الشاب” كالسهم متجاوزاً المدافعين وكاسراً مصيدة التسلل ببراعة. وبثقة كبيرة، سدد الكرة بيسراه لتسكن شباك الحارس محمد أبو السعود، محتفلًا بعدها بسجود الشكر الذي صار علامته المسجلة، في مباراة انتهت بالتعادل بعد رد الأهلاوية بهدف، ليكون ذلك الهدف بمثابة شهادة ميلاد لنجم سيملأ الدنيا ضجيجاً فيما بعد.
لم تكن طريق هذا النجم مفروشة بالورود، فقد بدأ رحلته من قرية نجريج بمحافظة الغربية، حيث أبصر النور في صيف عام 1992. وقد اضطرته ظروفه وشغفه بالساحرة المستديرة إلى اتخاذ مسار تعليمي مختلف بالالتحاق بمعهد اللاسلكي بدلاً من المسار الجامعي التقليدي، وذلك للتوفيق بين دراسته وبين رحلاته الشاقة وسفره المستمر إلى القاهرة بعد انضمامه لصفوف ناشئي المقاولون العرب، تلك الخطوة التي كانت حجر الأساس لمسيرته الاحترافية.
تدرج صلاح في المراحل السنية المختلفة، منتقلاً من مراكز الشباب في طنطا وبسيون وصولاً إلى الفريق الأول للمقاولون العرب، حيث شارك رسمياً لأول مرة في مايو 2010 أمام المنصورة. وبفضل سرعته الفائقة وموهبته الفطرية، لفت الأنظار إليه بشدة، وكاد أن يرتدي القميص الأبيض لنادي الزمالك لولا تعثر المفاوضات، ليفتح القدر له باباً أوسع نحو العالمية بانتقاله إلى نادي بازل السويسري عام 2012 في صفقة بلغت مليوني يورو، ليبدأ هناك كتابة أولى فصوله الأوروبية.
في الملاعب السويسرية، سرعان ما أثبت صلاح جدارته، مفتتحاً سجله التهديفي أمام لوزان، ومتألقاً على الصعيد القاري بهز شباك أندية كبرى مثل توتنهام هوتسبير في الدوري الأوروبي. وقد توجت جهوده بحصوله على لقب أفضل لاعب في الدوري السويسري لعام 2013 وجائزة أفضل موهبة صاعدة في إفريقيا، بعد أن خاض مع بازل قرابة ثمانين مباراة سجل خلالها عشرين هدفاً، مما جعل كبار أوروبا يتسابقون لضمه.
حط صلاح رحاله في قلعة “ستامفورد بريدج” مع نادي تشيلسي الإنجليزي مطلع عام 2014، لكن تجربته هناك لم تكن بالمثالية المتوقعة؛ فرغم تسجيله في مرمى أرسنال وستوك سيتي، إلا أنه عانى من قلة المشاركة والجلوس طويلاً على مقاعد البدلاء. ورغبة منه في إحياء مسيرته واستعادة بريقه، قرر الخروج معاراً إلى الدوري الإيطالي، حيث كانت فيورنتينا محطته الأولى التي استعاد فيها حاسته التهديفية بتسجيله تسعة أهداف في فترة قصيرة، مقدماً أداءً مبهراً جذب أنظار نادي العاصمة روما.
مع “الذئاب” في روما، انفجرت موهبة صلاح بشكل كامل، حيث تحول عقده من إعارة إلى بيع نهائي بفضل مستوياته الاستثنائية. وخلال موسمين، أصبح ركيزة أساسية في هجوم الفريق، مسجلاً 34 هدفاً وصانعاً للعديد من الفرص الحاسمة، محققاً أرقاماً قياسية جعلته محط أنظار المدرب الألماني يورجن كلوب. وفي صيف 2017، عاد “الملك المصري” إلى الدوري الإنجليزي من بوابة ليفربول في صفقة قياسية، ليبدأ هناك رحلة أسطورية حطم فيها الأرقام وصنع المجد في “الأنفيلد”.
التعليقات