أصدرت الجهات الصحية تنبيهات شديدة اللهجة بخصوص المخاطر الكامنة وراء الاستهلاك المفرط للملح، حيث يتجاوز ضرره مجرد تغيير مذاق الطعام ليصبح تهديداً حقيقياً لسلامة الجسم. ويشير الخبراء إلى أن ارتفاع مستويات الصوديوم يعد عاملاً رئيسياً في تدهور وظائف العديد من الأعضاء الحيوية، مما يمهد الطريق لظهور مشكلات صحية معقدة قد تتطور ببطء دون أن يلحظها الإنسان أو يشعر بأعراضها في المراحل الأولى، مما يجعلها خطراً صامتاً يهدد الصحة العامة.
تكمن الخطورة الأساسية في العلاقة الوثيقة بين الملح واحتباس السوائل داخل الجسم، فكلما زادت الكمية المتناولة، مال الجسم إلى تخزين المياه، مما يؤدي إلى انتفاخات ملحوظة في الأطراف والوجه، ويولد شعوراً عاماً بالإعياء والثقل. والأخطر من المظهر الخارجي هو الضغط الهائل الذي يسببه هذا الاحتباس على الشرايين والأوعية الدموية، مما يرفع ضغط الدم بشكل مقلق ويزيد العبء الملقى على عضلة القلب، رافعاً بذلك احتمالات التعرض للأزمات القلبية والسكتات الدماغية. ولا يتوقف الضرر عند الجهاز الدوري، بل يمتد ليشمل الكلى التي تضطر للعمل فوق طاقتها الطبيعية لتصفية الصوديوم الزائد، مما قد يعرضها للإجهاد المستمر ويزيد من مخاطر إصابتها بالفشل الوظيفي مع مرور الوقت.
وعلى صعيد آخر، كشفت الأبحاث الطبية عن جوانب أخرى مثيرة للقلق لا تقتصر على القلب والكلى، حيث تبين أن هناك رابطاً قوياً بين الأنظمة الغذائية المشبعة بالملح وبين ضعف الهيكل العظمي؛ إذ يتسبب وجود فائض من الصوديوم في طرد الكالسيوم وطرده خارج الجسم عن طريق البول، مما يحرم العظام من عنصره الأساسي ويجعلها أكثر هشاشة وقابلية للكسر، وهي مشكلة تتفاقم بشكل خاص لدى كبار السن. كما حذرت دراسات علمية من التأثير السلبي للملح على جدار المعدة وتوازنات البكتيريا فيها، مما يؤدي لتهيج الأغشية المخاطية وقد يرفع من فرص الإصابة بأورام المعدة.
للوقاية من هذه التبعات الصحية الجسيمة، تشدد التوصيات العالمية على ضرورة الالتزام بحدود آمنة، بحيث لا تتعدى حصة الفرد اليومية من الملح خمسة جرامات. ولتحقيق هذا التوازن وتجنب الأمراض المزمنة، ينصح باتباع استراتيجيات غذائية ذكية، مثل استبدال الملح بالمنكهات الطبيعية كالليمون والتوابل العشبية التي تضفي نكهة مميزة دون أضرار، مع ضرورة توخي الحذر عند تناول الأغذية المحفوظة والمصنعة التي غالباً ما تخفي كميات هائلة من الصوديوم. كما يعد الاطلاع الدقيق على الملصقات الغذائية وتجنب عادة إضافة الملح إلى الأطباق بعد طهيها خطوات جوهرية لضمان نمط حياة أكثر صحة وأماناً.
التعليقات