توصل فريق بحثي من جامعة ويسكونسن-ماديسون إلى مسار علمي واعد قد يسهم في الحفاظ على سلامة خلايا “بيتا” البنكرياسية المنتجة للأنسولين، والتي تتعرض للتلف عادةً مع بداية ظهور داء السكري من النوع الأول. وفي حين أن الفهم التقليدي لهذا المرض يركز على هجوم الجهاز المناعي على هذه الخلايا مما يعطل تنظيم السكر في الدم، فإن الاستراتيجيات العلاجية ظلت لسنوات طويلة محصورة في محاولة كبح جماح الجهاز المناعي ومنعه من شن هذا الهجوم، إلا أن البروفيسورة فايزة إنجين ترى أن التركيز الحصري تاريخياً على الجانب المناعي بحكم طبيعة المرض قد حجب زوايا أخرى للمعالجة.

اتخذت الدراسة الحديثة منحى مغايراً عبر تسليط الضوء على الديناميكيات الداخلية للخلايا، وتحديداً بروتين يُعرف بـ XBP1 الذي يلعب دوراً محورياً في استجابة الخلايا للإجهاد ومساعدتها على التأقلم. واستناداً إلى نتائج سابقة أثبتت أن تعطيل مستشعرات معينة للإجهاد قد يقي من المرض لدى القوارض، قام الباحثون بتجربة دقيقة تضمنت إزالة جين Xbp1 من خلايا بيتا لدى نماذج فئران معرضة للإصابة، وذلك كخطوة استباقية قبل أن يبدأ الجهاز المناعي في استهدافها.

جاءت النتائج مثيرة للاهتمام؛ فعلى الرغم من تسجيل ارتفاع مبدئي في مستويات الجلوكوز بالدم، إلا أن الفئران سرعان ما استعادت توازنها الفسيولوجي وحافظت على معدلات سكر طبيعية وصحة جيدة لمدة وصلت إلى عام. ويعزو العلماء ذلك إلى آلية ذكية للدفاع الذاتي، حيث يؤدي غياب الجين المذكور إلى فقدان الخلايا لسماتها الناضجة بشكل مؤقت، مما يجعلها في حالة “تخفٍ بيولوجي” تصعب على الجهاز المناعي رصدها أو التعرف عليها كأهداف معادية.

مع مرور الوقت وزوال الخطر المباشر، تسترد هذه الخلايا هويتها ووظيفتها الكاملة في إفراز الأنسولين، بالتزامن مع تراجع حدة الالتهابات. وقد أظهرت التحليلات الجينية المتقدمة التي قارنت بين مسارات الاستجابة المختلفة أن هذه الحماية تحدث عبر آليات دقيقة ومستقلة، مما يغير النظرة السائدة تجاه خلايا بيتا؛ فهي ليست مجرد ضحية سلبية للمرض، بل عنصر فاعل يمتلك القدرة على المناورة والمشاركة في مسار تطور الداء.

وعلى الرغم من أن هذه الاكتشافات لا تزال في مرحلة التجارب الحيوانية، إلا أن دلالاتها بالنسبة للطب البشري تبدو واعدة للغاية، لا سيما وأن التقنيات الحديثة تتيح التنبؤ بقابلية الإصابة بالسكري قبل سنوات من ظهور الأعراض السريرية. وبناءً على ذلك، يواصل المختبر أبحاثه المكثفة حالياً باستخدام خلايا بشرية وخلايا فئران لاستكشاف مدى إمكانية تحويل هذه الاستراتيجية الوقائية إلى علاج فعلي للبشر في المستقبل.