يعتبر تراكم حمض اليوريك داخل الجسم المسبب الرئيسي لواحدة من أكثر صور التهاب المفاصل إيلاماً، حيث تتحول هذه المادة عند زيادتها عن المعدل الطبيعي إلى تكتلات بلورية دقيقة وحادة تستقر في المفاصل، مما يولد شعوراً مباغتاً بالألم الشديد المصحوب بتورم واحمرار وحرارة في المنطقة المصابة، وهي أعراض تستهدف عادةً إصبع القدم الكبير في المقام الأول. وفي حال تم تجاهل هذه النوبات الحادة التي قد تمتد فترتها من عدة أيام إلى أسابيع، فإنها قد تتحول بمرور الوقت إلى حالة مرضية مزمنة تزداد وتيرتها وتؤثر سلبياً على قدرة الفرد على ممارسة حياته بشكل طبيعي.

وتشير البيانات والتقارير الصحية الحديثة إلى واقع مقلق يتعلق بانتشار هذا المرض عالمياً؛ إذ رصدت التحليلات الطبية ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الإصابة تجاوز الستين بالمائة خلال العقدين الماضيين، وهو رقم مرشح للتصاعد بشكل كبير بحلول منتصف القرن الحالي نتيجة عوامل متعددة، أبرزها زيادة متوسط العمر السكاني والتغيرات السلبية في الأنماط الغذائية وانتشار السمنة. واللافت للنظر أن هذا الداء لم يعد حكراً على كبار السن كما كان سائداً، بل بدأت رقعة الإصابة تتسع لتشمل فئات عمرية أصغر، بما في ذلك المراهقين والشباب، خاصة في المجتمعات التي تسجل معدلات مرتفعة في مؤشر كتلة الجسم، مما يعكس ارتباطاً وثيقاً بين الوزن الزائد وتطور المرض في سن مبكرة.

ولمواجهة هذا التحدي الصحي، يشدد الخبراء والمختصون في مجال الروماتيزم على ضرورة تبني نمط حياة وقائي شامل يعتمد في أساسه على النشاط البدني المستمر، مثل المشي السريع أو السباحة، لتعزيز كفاءة التمثيل الغذائي وتحسين استجابة الجسم للأنسولين وضبط الوزن. وبالتوازي مع الحركة، يلعب الترطيب دوراً جوهرياً في الوقاية، حيث يساعد شرب كميات وفيرة من الماء بانتظام على طرد حمض اليوريك من الجسم ومنع تشكل البلورات الضارة، مع ضرورة الابتعاد التام عن الأغذية المحفزة للمرض، وتحديداً تلك الغنية بمركبات البيورين كاللحوم الحمراء ولحوم الأعضاء، إضافة إلى المشروبات الغازية والعصائر المحلاة بالفركتوز التي تفاقم المشكلة.

وعلى صعيد التغذية العلاجية، يُنصح باللجوء إلى خيارات ذكية تدعم صحة المفاصل وتقلل من احتمالية حدوث النوبات، مثل الاعتماد على البروتينات النباتية كالبقوليات والعدس، وتناول منتجات الألبان قليلة الدسم، والتركيز على الفواكه ذات الخصائص المفيدة كالكرز والحمضيات، إلى جانب الخضروات والحبوب الكاملة. ويتوافق هذا النهج مع مبادئ حمية البحر المتوسط ونظام “داش” الغذائي، المعروفين بفعاليتهما في خفض مستويات حمض اليوريك ودعم الصحة الأيضية. وفي الحالات المتقدمة التي تتكرر فيها الهجمات المؤلمة رغم التعديلات الغذائية، يظل التدخل الطبي عبر العقاقير المتخصصة خياراً ضرورياً للسيطرة على مستويات الحمض في الدم ومنع تفاقم الأعراض مستقبلاً.