غالبًا ما ينحصر التصور الشائع حول زهرة البابونج في كونها مجرد وسيلة طبيعية للمساعدة على الاسترخاء أو تهدئة اضطرابات المعدة البسيطة، إلا أن الحقيقة تتجاوز ذلك بكثير؛ فهذه النبتة تمتلك خصائص وقائية وعلاجية مذهلة تجعلها حصنًا منيعًا ضد عدد من المشكلات الصحية المعقدة. لقد أظهرت الأبحاث العلمية المتعمقة دور البابونج المحوري في التصدي للأورام الخبيثة، حيث يحتوي على مضادات أكسدة قوية، أبرزها مركب “أبيجينين”، الذي أثبت فاعلية في كبح نمو الخلايا غير الطبيعية، لا سيما تلك المرتبطة بسرطانات الثدي والجلد والبروستاتا والمبيض. واللافت في الأمر أن الدراسات المخبرية كشفت عن قدرة مستخلصات هذه الزهرة على استهداف الخلايا المصابة بدقة عالية وتقليل انتشارها، دون إلحاق الضرر بالأنسجة السليمة، مما يجعلها خيارًا واعدًا ومكملًا في هذا المجال.
وعلى صعيد الجهاز التنفسي، يُعد البابونج حليفًا قويًا في مواجهة نزلات البرد والإنفلونزا، نظرًا لقدرته الفائقة على مكافحة العدوى وتقليل الإفرازات المخاطية المزعجة. لهذا السبب، نجده مكونًا أساسيًا في العديد من العلاجات الموضعية وبخاخات الأنف، كما أن استنشاق البخار المتصاعد من مغلي البابونج يساهم بفاعلية في فتح الممرات الهوائية وتخفيف حدة الاحتقان والتهاب الجيوب الأنفية. ولا تتوقف فوائده عند هذا الحد، بل يلجأ الكثيرون لاستخدام منقوعه كغرغرة لتطهير الفم والحلق من الالتهابات، مما يمنح شعورًا بالراحة والهدوء أثناء فترات المرض.
أما فيما يخص العناية بالبشرة والجمال، فإن الزيوت الطيارة ومركبات الفلافونويد الموجودة في البابونج تتغلغل بعمق داخل طبقات الجلد، مما يعزز مناعته ويحافظ على حيويته ونضارته. وقد اعتمد الطب القديم لقرون طويلة على هذه الخصائص لعلاج الحروق والجروح والأكزيما والنقرس، بينما توسعت استخداماته في العصر الحديث لتشمل مقاومة علامات التقدم في السن كالخطوط الدقيقة والبقع، وعلاج قشرة الرأس بطرق طبيعية، فضلًا عن دوره في تسريع شفاء جدري الماء وتخفيف آثار الندوب. وبفضل طبيعته اللطيفة والمضادة للالتهاب، يُستخدم بأمان لتهدئة طفح الحفاضات لدى الأطفال وعلاج التهيجات الحساسة حول العينين.
وفي مجال صحة الفم والأسنان، يبرز البابونج كأداة فعالة للقضاء على البكتيريا الضارة وتخفيف الآلام الناتجة عن التقرحات والجروح ومشاكل اللثة. وقد بينت التجارب العملية أن استخدام غسول فم يحتوي على نسبة بسيطة من مستخلصات هذه النبتة يساعد بشكل ملحوظ في وقف نزيف اللثة وتقليل تراكم الرواسب الجيرية، مما يجعله بديلًا طبيعيًا ممتازًا للعناية بصحة الفم. ختامًا، تشير الدلائل إلى أن الاستهلاك المنتظم للبابونج وما يحتويه من مركبات نباتية مفيدة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحماية القلب والأوعية الدموية، حيث لوحظ انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن أمراض الشرايين التاجية لدى الرجال من كبار السن الذين يحرصون على إدخال هذه العناصر الغنية بالفلافونويد في نظامهم الغذائي.
التعليقات