مع حلول مواسم البرد وانخفاض درجات الحرارة، يضطر الكثيرون إلى تغيير روتينهم المنزلي فيما يتعلق بغسيل الملابس، حيث يصبح نشر الغسيل المبلل داخل الغرف خيارًا شائعًا وعمليًا لتسريع عملية التجفيف. ورغم أن هذا السلوك يبدو بريئًا واعتياديًا، إلا أن الأوساط العلمية والطبية بدأت تسلط الضوء على ما يحمله من مخاطر خفية قد تحول المنزل من ملاذ آمن إلى بيئة خصبة للملوثات البيولوجية.
تشير الأبحاث المتخصصة في مجال البيئة المعمارية، وتحديدًا تلك التي أجريت في المملكة المتحدة، إلى أن الغالبية العظمى من الأسر تعتمد على المساحات الداخلية لتجفيف الملابس شتاءً. وتكمن المشكلة الجوهرية في أن كميات المياه التي تتبخر من الأقمشة لا تتلاشى، بل تتراكم في الهواء، مما يرفع معدلات الرطوبة إلى مستويات قياسية. هذا التشبع المائي في الجو الداخلي يخلق ظروفًا مثالية لتكاثر كائنات دقيقة غير مرغوب فيها، حيث أظهرت الفحوصات أن نسبة كبيرة من المنازل التي تتبع هذه العادة تعاني من انتشار حشرات العث الدقيقة، بالإضافة إلى وجود جراثيم فطرية في ربع العينات المفحوصة، وهي أنواع ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإصابة بالتهابات رئوية خطيرة.
ولا يقتصر الضرر على صحة الأفراد فحسب، بل يمتد ليشمل البنية الداخلية للمسكن؛ فالرطوبة المستمرة تؤدي بمرور الوقت إلى تدهور جودة الهواء وتلف التشطيبات، حيث يبدأ العفن في الزحف على الجدران والاختباء خلف السيراميك وحول إطارات النوافذ. ومن الناحية الصحية، تحذر الهيئات الطبية المعنية بأمراض الصدر والجهاز التنفسي من أن استنشاق هذا الهواء الملوث بالجراثيم قد يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل التحسسية، بدءًا من السعال والعطس المتكرر، وصولًا إلى نوبات الربو الحادة وضعف المناعة العامة، ويكون الخطر أشد وطأة على الفئات الحساسة مثل الأطفال وكبار السن.
وللخروج من هذه المعضلة وتفادي الآثار الجانبية، يوصي الخبراء بتبني استراتيجيات وقائية بسيطة، أهمها ضمان تيار هوائي متجدد عبر فتح النوافذ وتشغيل مراوح الشفط أثناء عملية التجفيف لطرد الرطوبة الزائدة. كما يُنصح بشدة بتجنب وضع مناشر الغسيل في الغرف الحيوية التي يقضي فيها أفراد الأسرة أوقاتًا طويلة كغرف النوم والمعيشة، واستبدال ذلك باستخدام الشرفات المفتوحة أو الاعتماد على أجهزة التجفيف الآلية كلما كان ذلك متاحًا، للحفاظ على بيئة منزلية صحية وجافة.
التعليقات