لم تعد النظرة التقليدية إلى الاضطرابات النفسية، وفي مقدمتها الاكتئاب، تقتصر على كونها مجرد رد فعل تجاه صدمات الحياة أو الضغوط اليومية فحسب، بل اتسع الأفق الطبي ليشمل الجوانب البيولوجية والفسيولوجية بشكل أكثر عمقًا. وقد بدأ العلماء في تسليط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه التغذية الدقيقة في الاستقرار الذهني، حيث برز “فيتامين د” كعنصر جوهري لا يؤثر فقط على صحة الجسد، بل يمتد تأثيره ليشمل الصحة العقلية وتوازن المزاج.
وفي هذا الإطار، يؤكد المتخصصون في طب الغدد الصماء والباطنة أن هذا المركب الحيوي يتجاوز في وظيفته المفهوم التقليدي للفيتامينات؛ إذ يتصرف داخل الجسم بخصائص تشبه الهرمونات، متغلغلاً في وظائف حيوية متعددة بدءًا من تقوية المناعة والعظام وصولاً إلى العمليات الدقيقة داخل الدماغ. ويرجع ذلك إلى وجود مستقبلات نوعية لهذا الفيتامين في مناطق حساسة بالمخ، مثل الحُصين والقشرة الجبهية، وهي الأجزاء المنوط بها التحكم في السلوكيات والمشاعر، مما يفسر علميًا لماذا يؤدي نقصه إلى اختلالات نفسية ملموسة.
وتكشف الأبحاث عن علاقة وثيقة ومثيرة للاهتمام بين انخفاض مستويات هذا العنصر في الدم وبين الإصابة بحالات الاكتئاب المزمن، حيث يُعتقد أن غيابه يعرقل عمل النواقل العصبية المسؤولة عن السعادة والسكينة، مثل الدوبامين والسيروتونين. علاوة على ذلك، يرتبط نقصه بارتفاع مؤشرات الالتهاب في الجسم، وهي حالة فسيولوجية وُجد أنها تصاحب غالبًا الحالات النفسية المستعصية التي لا تبدي استجابة سريعة للعلاجات التقليدية.
وغالباً ما يقع المريض في دائرة مفرغة يصعب تحديد بدايتها؛ فهل النقص الغذائي هو مسبب الاكتئاب، أم نتيجته؟ الواقع يشير إلى تأثير متبادل بينهما، حيث يدفع الاكتئاب صاحبه نحو العزلة والابتعاد عن ضوء الشمس، مما يستنزف مخزون الفيتامين، وبدوره يؤدي هذا النقص الحاد إلى تعميق مشاعر الحزن واليأس، مما يزيد الحالة سوءًا وتعقيدًا.
ومن الضروري الانتباه إلى أن الجسد يرسل إشارات قد تتشابه إلى حد كبير مع أعراض الاكتئاب النفسي، مثل الإجهاد المستمر، واضطرابات النوم، وفقدان الشغف، والتقلبات المزاجية الحادة، وهي أعراض قد تكون ناتجة في الأصل عن عوز في هذا الفيتامين. ورغم أن تعديل مستوياته من خلال التعرض الآمن للشمس، وتناول الأغذية الغنية به كالأسماك والبيض، أو استخدام المكملات العلاجية قد يُحدث فارقًا إيجابيًا ملحوظًا، إلا أن الأطباء يشددون على اعتباره جزءًا داعمًا ضمن منظومة علاجية شاملة وليس حلاً سحريًا منفرداً.
التعليقات