تنتاب المرء أحيانًا وبشكل مباغت عاصفة شعورية عارمة، تتسم بجموح في ضربات القلب وضيق شديد في التنفس، مع سيل من الأفكار المتسارعة التي توحي بأن الجسد على شفا الانهيار، وذلك كله يحدث في ظل غياب تام لأي خطر حقيقي ملموس. هذه الحالة، التي يصنفها الأطباء تحت مسمى “نوبة الهلع”، تمثل استجابة جسدية ونفسية حادة غالبًا ما يساء تفسيرها، وهي تجربة شائعة قد يمر بها نحو ثلث البشر ولو لمرة واحدة في حياتهم، سواء كانت ناتجة عن ضغوطات حياتية واضحة أو ظهرت فجأة من العدم، مما يترك الشخص في حالة من الحيرة بين شعوره الداخلي بالخطر الداهم والواقع الآمن الذي يحيط به.

وتستند هذه الظاهرة في جوهرها إلى آلية دفاعية فطرية قديمة تعرف بـ “الكر أو الفر”، حيث يتعامل الدماغ مع موقف ما – حقيقيًا كان أو متخيلًا – كتهديد وجودي، مما يدفعه لإرسال إشارات استغاثة فورية عبر الجهاز العصبي. وفي أجزاء من الثانية، تنشط اللوزة الدماغية لتحفيز الغدد الكظرية على ضخ طوفان من هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول، فيتأهب الجسد للمواجهة عبر تسريع التنفس وزيادة خفقان القلب لضخ الدماء للعضلات، استعدادًا لقتال عدو غير موجود فعليًا.

وتترجم هذه العمليات البيولوجية المعقدة إلى مجموعة من الأعراض الجسدية المزعجة التي قد تحاكي الأزمات الصحية الخطيرة، مثل الشعور بضغط في الصدر، والدوار، وصعوبة التقاط الأنفاس، مصحوبة برعب نفسي عميق يتمثل في الخوف من الموت أو فقدان السيطرة على العقل. ورغم شدة وطأة هذه الأحاسيس، إلا أنها من الناحية الطبية مجرد رد فعل وقائي مبالغ فيه ولا تشكل خطورة حقيقية على الحياة، غير أن المعاناة تزداد عندما يفسر العقل هذه الإشارات الجسدية بشكل كارثي.

ولعل المثير في الأمر أن هذه النوبات لا تتطلب دائمًا محفزات خارجية لانطلاقها، فقد تنشأ نتيجة إشارات داخلية خفية، مثل التوتر المتراكم أو حتى التغيرات الطفيفة في التنفس كحبس النفس لا إراديًا، مما يوهم الدماغ بوجود خطر اختناق. وإذا لم يتم التعامل مع هذه الحالة بوعي، فقد ينجرف الشخص نحو سلوكيات تجنبية، مبتعدًا عن الأماكن والمواقف التي شهدت نوباته السابقة، وهو ما قد يتطور إلى “رهاب الخلاء” الذي يضيق الخناق على حياته ويحد من حريته واستقلاليته.

ويرى المختصون أن مفتاح استعادة السيطرة والتعافي يكمن في إعادة تشكيل الوعي تجاه هذه الأعراض، وذلك بالبدء في إدراك أن ما يحدث هو مجرد إنذار كاذب وليس خطرًا فعليًا. وبدلًا من مقاومة الأحاسيس الجسدية، يُنصح بتقبل وجودها العابر واستخدام تقنيات التنفس العميق لتهدئة الجهاز العصبي، فبناء الثقة في القدرة على تجاوز هذه اللحظات ومواجهة المخاوف تدريجيًا هو السبيل الأمثل لمنع القلق من الهيمنة على جودة الحياة.